بواسطة كارلوس مارتينيز (Carlos Martinez)
ترجمة: أبكر آدم إسماعيل
ولد أميلكار لوبيز دا كوستا كابرال، أحد أعظم القادة المناهضين للاستعمار في القرن العشرين، في 12 سبتمبر 1924 في بافاتا، وهي بلدة صغيرة في وسط غينيا بيساو. واليوم، بعد مرور تسعين سنة، دعونا نتوقف لحظة لنتذكر هذا الثوري البارع – الزعيم بلا منازع ومهندس الكفاح من أجل تحرير غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر من نير الاستعمار البرتغالي.
كمنظِّر ثوري، كمقاتل حرب عصابات، كمحرض ملهم، وكأممي لا يساوم، يستمر إرث كابرال في إعلام النضال العالمي ضد الإمبريالية ومن أجل الاشتراكية.
انطلاقا من لا شيء تقريبا، كان كابرال قد أصبح قادراً على قيادة عملية بناء أنجح حركة حرب عصابات في أفريقيا وبناء حزب سياسي قوي ومنضبط: الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC). وقد وصفه فيدل كاسترو بأنه “واحد من أكثر القادة براعة ووضوحا في أفريقيا، وقد غرس فينا ثقة كبيرة بالمستقبل وبنجاح كفاحه من أجل التحرير.”
بنى كابرال صلات وثيقة مع الدول الإفريقية المحررة (ولا سيما غينيا وغانا وتنزانيا والجزائر وليبيا) وكذلك حركات التحرر التي تقاتل الاستعمار في موزمبيق وجنوب أفريقيا وأنغولا. علاوة على ذلك، فقد وضع كفاح الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) ضد الاستعمار في إطار الكفاح العالمي ضد الإمبريالية ومن أجل الاشتراكية، وعلى هذا الأساس أقام علاقات وثيقة مع المعسكر الاشتراكي برمته، بما في ذلك الاتحاد السوفيتي، والصين، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية، وكوبا، وفيتنام. (كان الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) أحد الحركات القليلة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي التي استطاعت التنقل بنجاح بين أطراف الانقسام الصيني السوفييتي والحفاظ على علاقات وثيقة مع كل من الاتحاد السوفييتي والصين).
كان كابرال بالتأكيد رجل أفعال، غير أنه كان أيضاً مفكراً سياسياً مُهِماً ومبتكراً أسهم إسهاما بارزا في الإضافة إلى إيديولوجيات مناهضة الإمبريالية والاشتراكية والبان آفريكانيزم والوطنية الثورية. كتب تيتي كوفي أن كابرال “رسم مسارًا إيديولوجيًا جديدًا، موسعاً أعمال ماركس ولينين لتلائم الواقع الأفريقي. وقد كان كابرال المنظر السياسي الأبرز بين القادة الناطقين بالبرتغالية حتى اغتياله في عام 1973م.”
فالسياسة العنصرية في البرتغال – إلى جانب تخلفها – كانت تعني أن قلة قليلة من الناس في مستعمراتها يمكنهم الوصول إلى التعليم العالي. في غينيا بيساو في ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى عدد قليل من خريجي الجامعات في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، أظهر كابرال قدرة أكاديمية استثنائية، وهذا ما مكنه من الدراسة في جامعة لشبونة، حيث التقى بأًناس مثل أوغستينو نيتو (Agostinho Neto) وإدواردو موندلين (Eduardo Mondlane) (الذين ذهبا لقيادة الحركات الثورية في أنغولا وموزامبيق على التوالي). في البرتغال، عرَّفه زملائه الطلاب الأفارقة بالإيديولوجية الاشتراكية، وأمضوا الكثير من وقتهم في الدراسة والمناقشة ووضع الاستراتيجيات: كيف يمكن إنهاء الهيمنة الاستعمارية على أوطانهم؟ كيف يمكنهم إلهام الجماهير العريضة من الناس للمشاركة في النضال؟
عاد كابرال إلى غينيا بيساو في عام 1951 وعمل لعدة سنوات كمهندس زراعي – الأمر الذي “وفر له” فرصة كبيرة للتعلم مباشرة من الفقر المدقع والمعاناة الشديدة لشعبه، وخاصة في الريف. لقد جعلته تجاربه أكثر تصميماً من أي وقت مضى لإيجاد طرق ووسائل للعمل من أجل حرية بلده ونقل شعبه من نير العبودية الاستعمارية.”
عاش لفترة قصيرة في أنغولا، وكان أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة تحرير أنغولا البارزة، الحركة الشعبية لتحرير أنغولا (MPLA)، جنبا إلى جنب مع صديقه الجامعي أوغستينو نيتو (Agostinho Neto). في نفس العام (1956)، أسس هو ورفاقه الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC).
وكتب يوسف دادو، العضو في المؤتمر الوطني الأفريقي والحزب الشيوعي الجنوب أفريقي، يقول: “في ظل قيادته، حشد الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر وطنيي البلاد للنضال من أجل حرية غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، وأنشأ الجيش الشعبي وقاد حرب التحرير الوطني ضد المستعمرين البرتغاليين. عرف كابرال وفهم عدوه جيدا، وخطط لكل مرحلة من مراحل النضال بعناية وتم تنظيمها بدقة. أُعطيت كوادر حزب (PAIGC) تعليماً سياسياً بالإضافة إلى التدريب العسكري وشدد كابرال دائماً على “أننا مسلحون ولسنا عسكريين.”
في عام 1963، بعد عدة سنوات من التخطيط والدراسة ووضع الاستراتيجيات بعناية، دشّن الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر حملته العسكرية، والتي تمكنت خلال بضع سنوات من كسب دعم وولاء جماهير غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، وتمكنت من هز الكيان الاستعماري المتعفن من جذوره. وقد تم إنشاء المناطق المحررة الأولى في عام 1965، والتي استمرت في التوسع دون توقف حتى الاستقلال في عام 1974، وفي غضون ذلك الوقت كانت البلاد بأسرها عمليا في أيدي القوات الثورية.
ومن المحزن أن كابرال لم يعش ليرى النصر النهائي للنضال الوطني التحرري، وحُرمت غينيا – بيساو وجزر الرأس الأخضر من القيادة البصيرة التي بدون شك كان قد سيقدمها في فترة ما بعد الاستعمار. ففي 20 كانون الثاني/ يناير 1973، تم اختطافه وإطلاق النار عليه من قبل أعضاء ساخطين من الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر كانوا يتواطؤون مع الشرطة السرية البرتغالية.
ومع ذلك، واصل شعب غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر نضاله واسم أميلكار كابرال على شفاهه.
ويشير بييرو غليسيس (Piero Gleijeses) إلى أنه “بعد أسابيع قليلة من وفاة كابرال، تم تعزيز الحزب الحاكم بقوة من خلال جلب صواريخ أرض جو من الاتحاد السوفييتي. وحتى ذلك الحين، لم يكن الثوار يتمتعون بالدفاع الفعال ضد القوة الجوية البرتغالية، ولكن في أواخر عام 1972، يقول لويس كابرال: “لقد علمنا عن سلاح سوفيتي مضاد للطائرات كان خفيفًا وذو كفاءة عالية للغاية. قام أميلكار برحلة خاصة إلى موسكو لشرح احتياجاتنا للسلطات السوفيتية وحثهم على إعطائنا هذا السلاح الثمين. “لقد أثبتت المهمة في ديسمبر 1972 نجاحها. في مارس 1973، كتب رئيس الوزراء البرتغالي قائلا: “ظهرت صواريخ أرض جو بشكل غير متوقع في أيدي العدو في غينيا بيساو، وفي غضون بضعة أيام تم إسقاط خمس من طائراتنا.” وهذا يعني أن “تفوقنا الجوي الذي هو بلا منازع، كان بطاقتنا الرابحة وأساس سياستنا العسكرية بالكامل… قد تبخر فجأة.”
بحلول منتصف عام 1973، وسّع حزب (PAIGC) أراضيه المحررة لتغطي أكثر من ثلثي البلاد. في 24 سبتمبر 1973، أعلن المجلس الوطني الشعبي عن دولة غينيا بيساو المستقلة. وفي نهاية المطاف، مُنحت الاستقلال الكامل بعد ذلك بعام، في 10 أيلول/ سبتمبر 1974. كانت البرتغال قد تعرضت، في سياق الحرب الشرسة التي استمرت 11 سنة، لهزيمة حقيقية.
في هذه الأثناء، لعبت الحروب الثورية المناهضة للاستعمار دوراً رئيسياً في إحداث الأزمة الاقتصادية والسياسية داخل البرتغال نفسها، وكانت مصدر إلهام للعناصر الأكثر تقدمية في اليسار البرتغالي. إن إطاحة الفاشية في البرتغال كانت تدين بالكثير للنضال البطولي الذي كان يخوضه شعب غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر وأنغولا وموزامبيق.
يصف باتريك تشابال، في “القيادة الثورية وحرب الشعب،” إرث كابرال بإيجاز قائلاً:
في أقل من عشرين عاماً من الحياة السياسية النشطة، قاد كابرال الوطنيين في غينيا بيساو إلى أكثر النجاحات السياسية والعسكرية اكتمالاً على الإطلاق التي حققتها حركة سياسية أفريقية ضد سلطة استعمارية. في وقت وفاته في عام 1973، قبل أشهر من استقلال غينيا بيساو، امتد نفوذه إلى ما هو أبعد من العالم الناطق بالبرتغالية وأفريقيا. لقد أُعجب الأصدقاء والأعداء على السواء بفكرته ومهاراته السياسية ورأوا فيه زعيماً محتملاً لحركة عدم الانحياز. وقد أظهرت كتاباته أنه محلل متمرس للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أثرت على العالم النامي وما زالت تؤثر عليه.
ننشر أدناه مجموعة مختارة من اقتباسات قيمة لأميلكار كابرال (والقليل منها عنه)، والتي تهدف لأن تكون بمثابة مقدمة لتراثه الإيديولوجي. وتتبع هذه الاقتباسات بعض الاقتراحات لمزيد من القراءة.
النظرية والتطبيق:
وباعتباره شخصاً ولد في بلد رفضت فيه قوة استعمارية أجنبية بشكل واضح السماح للغالبية العظمى من السكان بالحصول على التعليم، لم يك لدى كابرال وقت كافٍ للمناهضة الفكرية لخيوط داخل الحركة التقدمية. في الواقع شعر كابرال بقوة أن الحركات المناهضة للإمبريالية القائمة كانت في حاجة ماسة إلى أسس إيديولوجية أكبر.
إن النقص الأيديولوجي داخل حركات التحرر الوطني، لا يعني الافتقار التام إلى الإيديولوجيا – مما يعكس الجهل بالواقع التاريخي الذي تدعي هذه الحركات بأنها تعمل على تحويله – الأمر الذي يشكل واحدة من أعظم نقاط الضعف في كفاحنا ضد الإمبريالية، إن لم تكن أكبر نقطة ضعف على الإطلاق.
في عملية الربط بين النظرية والتطبيق، فإنه يضرب وترا مشابها لماو:
كل ممارسة تنتج نظرية، وعلى الرغم من أنه صحيح أن الثورة يمكن أن تفشل رغم أنها تستند إلى نظريات متقنة، إلا أنه لم يقم أحد بعد بثورة ناجحة بدون نظرية ثورية.
في وقت مبكر جدا من نضالهم، حين لم يكن تحت تصرفهم إلا القليل جدا من الموارد، أنشأ مؤسسو حزب (PAIGC) مدرسة سياسية من أجل خلق الكوادر.
إن حقيقة أن جمهورية غينيا كانت بجانبنا مكنت حزبنا ليضع هناك، بشكل مؤقت، بعض قادتنا، وهذا مكننا من إنشاء مدرسة سياسية لإعداد النشطاء السياسيين. كان هذا حاسما لنضالنا. في عام 1960 أنشأنا مدرسة سياسية في كوناكري، في ظروف سيئة للغاية. كان النشطاء من المدن – أعضاء الحزب – أول من جاء لتلقي التعليم السياسي ولتدريبهم على كيفية تعبئة شعبنا من أجل النضال. بعد رفاق المدينة جاء الفلاحون والشباب (حتى أن بعضهم جلبوا معهم أسرهم بأكملها) الذين تمت تعبئتهم من قبل أعضاء الحزب. عشرة أو عشرين أو خمسة وعشرون شخصًا سيأتون كل شهر أو شهرين. خلال تلك الفترة، وقد مروا ببرنامج تعليمي مكثف؛ كنا نتحدث معهم، ولما يأتي الليل لا يمكننا التحدث أكثر لأن أصواتنا تكون قد بُحّت تمامًا.
في توجيهه الاحتفالي “لا تكذبوا، لا تطلبوا أي انتصارات سهلة،” يحث كابرال رفاقه بالقول:
فلنثقف أنفسنا، ولنثقف الآخرين، ولنثقف السكان بشكل عام، لمحاربة الخوف والجهل، للقضاء تدريجيا على الخضوع للطبيعة والقوى الطبيعية التي لم يستطع اقتصادنا إخضاعها بعد. فلنقنع شعبنا قليلا قليلا، ولا سيما نشطاء الحزب، بأننا سننتهي بقهر الخوف من الطبيعة، وأن الإنسان هو أقوى قوة في الطبيعة. ولنطلب من مسئولي الحزب أن يكرسوا أنفسهم بجدية للدراسة، وأن يهتموا بأمور ومشاكل حياتنا ونضالاتنا اليومية في جوانبها الأساسية والجوهرية، وليس فقط في مظاهرها. فلنتعلم من الحياة، ونتعلم من أهلنا، ونتعلم من الكتب، ونتعلم من تجارب الآخرين. يجب ألا نتوقف عن التعلم أبداً.
الاشتراكية:
كان تركيز كابرال الأساسي كثوري هو خلق أقصى وحدة وطنية ضد الاستعمار البرتغالي، وبالتالي تأطرت الكثير من أفكاره في منظور الوطنية الثورية بدلاً من الاشتراكية تحديدًا. ومع ذلك، كان كابرال واضحًا للغاية بشأن ما كان يعتقد حول ما يجب أن تكون عليه أفريقيا ما بعد الاستعمار. وعلاوة على ذلك، فقد أقام علاقات وثيقة للغاية مع المعسكر الاشتراكي القائم، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي وكوبا وجمهورية ألمانيا الديمقراطية والصين.
في وضعنا التاريخي الحالي – للقضاء على الإمبريالية التي تستخدم كل الوسائل لاستدامة سيطرتها على شعوبنا، وتوطيد الاشتراكية في جزء كبير من العالم – لا يوجد سوى طريقين محتملين لأي أمة مستقلة: العودة إلى الهيمنة الإمبريالية (الاستعمار الجديد، الرأسمالية، رأسمالية الدولة)، أو أن تتخذ طريق الاشتراكية سبيلا.
بالإضافة إلى ذلك:
السمة الأساسية لعصرنا هي النضال العام للشعوب ضد الإمبريالية وإن وجود معسكر اشتراكي، وهو أكبر حصن ضد الإمبريالية.
ورداً على السؤال المتعلق بمدى ارتباط الماركسية واللينينية كأيديولوجية بالنضال التحرري الوطني بغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، ذكر كابرال:
إن الانتقال من واقع بلدنا نحو خلق إيديولوجية للكفاح لا يعني أن للمرء ادعاء بأنه ماركس أو لينين أو أي إيديولوجي عظيم آخر، ولكنه ببساطة جزء ضروري من النضال. أعترف أننا ما كنا نعرف هؤلاء المنظرين العظماء بشكل عميق عندما بدأنا. لم نك نعرف عنهم نصف ما نعرفه الآن. كنا بحاجة إلى أن نعرفهم، كما قلت من أجل الحكم في أيِ من التدابير يمكننا أن نستلف من تجربتهم للمساعدة في وضعنا – ولكن ليس بالضرورة تطبيق الأيديولوجيا بشكل أعمى لمجرد أنها جيدة للغاية. هذا هو المكان الذي نقف عليه بخصوص هذا الأمر.
إن كتابات كابرال حول البنية الطبقية لمجتمع غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر آسرة وتستحق أن تُدرس بالتفصيل. هنا فقرة مثيرة للاهتمام بشكل خاص حول مشكلة محاولة خلق عقلية الطبقة العاملة في بلد لم يكن لديه سوى طبقة عاملة صغيرة:
لقد واجهتنا مشكلة صعبة أخرى، يقول كابرال: أدركنا أننا بحاجة إلى أن يكون لدينا أناس بعقلية يمكن أن تتجاوز سياق النضال التحرري الوطني، ولذلك قمنا بإعداد عدد من الكوادر من المجموعة التي ذكرتها للتو، وبعضهم ممن يعملون في التجارة وغيرهم من أصحاب الأجور، وحتى بعض الفلاحين، لكيما يتمكنوا من اكتساب ما يمكن أن نسميه عقلية الطبقة العاملة. قد تظنون أن هذا أمر عبثي – على أي حال، إنه أمر صعب للغاية. ولأجل أن تكون هناك عقلية الطبقة العاملة، يجب أن تكون الشروط المادية للطبقة العاملة قائمة، ويجب أن توجد الطبقة العاملة. في الواقع، نجحنا في غرس هذه الأفكار في عدد كبير من الناس – نوع الأفكار التي ستوجد إذا كانت هناك طبقة عاملة. قمنا بتدريب حوالي 1000 من الكوادر في مدرستنا الحزبية في كوناكري، في الواقع، لمدة عامين تقريبا، كان هذا عن كل ما قمنا به خارج البلاد. عندما عادت هذه الكوادر إلى المناطق الريفية، غرست عقلية معينة في الفلاحين، ومن بين هؤلاء الكوادر التي اخترناها هؤلاء الذين يقودون الكفاح الآن.”
وفي حديثه في الحلقة الدراسية حول “لينين والتحرر الوطني،” التي عُقدت في ألما أتا، عاصمة جمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفياتية، في عام 1970، وضع كابرال الصلة الحاسمة بين أفكار لينين ونضالات التحرر الوطني التي تُشن في جميع أنحاء أفريقيا:
“كيف يمكننا، ونحن شعب حرم من كل شيء، ويعيش في حالة يرثى لها، أن ندير كفاحنا ونفوز بالنجاح؟ جوابنا هو: هذا لأن لينين موجود، لأنه أوفى بواجبه كإنسان ثوري ووطني. كان لينين وما زال، أعظم نصير للتحرر الوطني للشعوب.”
وفي نعيه لكابرال يشير يوسف دادو إلى أنه “كان له ارتباط وثيق جدًا بالاتحاد السوفييتي الذي زاره في العديد من المناسبات وقدم مساهمة كبيرة في تعزيز وتقوية الصداقة والتعاون بين شعبي غينيا بيساو والاتحاد السوفيتي، والحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) والحزب الشيوعي السوفيتي (CPSU).
كانت الدول الاشتراكية والدول الإفريقية المحررة هي المصدر الرئيسي للأسلحة والتدريب والتمويل للحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) (كما كانت في الواقع بالنسبة الحركة الشعبية لتحرير أنغولا (MPLA) في أنغولا، وفريليمو Frelimo في موزمبيق، وسوابو SWAPO في ناميبيا، وزانو ZANU وزابو ZAPU في زيمبابوي، والمؤتمر الوطني الأفريقي ANC والحزب الشيوعي الجنوب أفريقي SACP في جنوب أفريقيا).
نشأ معسكر اشتراكي في العالم. وقد غيَّر هذا ميزان القوى بشكل جذري، ويُظهر هذا المعسكر الاشتراكي نفسه اليوم مدركًا تمامًا لواجباته الدولية والتاريخية، ولكن ليس المعنوية، لأن شعوب الدول الاشتراكية لم تستغل أبداً الشعوب المستعمَرة. إنهم يبدون أنفسهم مدركين لواجبهم، وهذا هو سبب امتلاكي لشرف أن أخبركم علانية بأننا نتلقى مساعدات كبيرة وفعالة من هذه البلدان الاشتراكية، التي تعزز المساعدات التي نتلقاها من إخواننا الأفارقة. إذا كان هناك أشخاص لا يحبون سماع هذا، دعهم يأتون ويساعدونا في نضالنا أيضًا.
بالإضافة إلى ذلك:
يقول كابرال، نريد أن نذكر، المساعدة الخاصة التي قدمتها لنا شعوب الدول الاشتراكية. نحن نعتقد أن هذه المساعدات هي التزام تاريخي، لأننا نعتبر أن كفاحنا يشكل أيضًا دفاعًا عن الدول الاشتراكية. ونريد أن نقول بشكل خاص أن الاتحاد السوفييتي، أولاً وقبل كل شيء، والصين وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ودول اشتراكية أخرى تواصل تقديم العون لنا، الأمر الذي نعتبره مفيدا للغاية لتطوير كفاحنا المسلح. نريد أيضا أن نركز بشكل خاص على الجهود الدؤوبة – والتضحيات التي نقدرها بعمق – إذ أن شعب كوبا – وهو بلد صغير بلا موارد كبيرة – يكافح ضد الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة والإمبرياليون الآخرون – يبذل جهودا فعالة لتقديم المساعدة لنضالنا. بالنسبة لنا، هذا مصدر دائم للتشجيع، كما أنه يساهم في ترسيخ التضامن بين حزبنا والحزب الكوبي، بين شعبنا والشعب الكوبي، وهو شعب نعتبره أفريقيًا. ويكفي رؤية الروابط التاريخية والسياسية وروابط الدم التي توحدنا لنكون قادرين على هذا القول. ولذلك، نحن سعداء للغاية بالمساعدة التي يقدمها لنا الشعب الكوبي، ونحن على يقين من أنهم سيواصلون زيادة معونتهم لكفاحنا للتحرر الوطني بالرغم من كل الصعوبات.
الوحدة ضد الامبريالية:
كان أميلكار كابرال من الأمميين البارزين، الذين فهموا الوحدة المناهضة للإمبريالية ليس فقط من الناحية الفكرية المجردة، وإنما كمسألة حياة أو موت لحركته. بعد كل شيء فقد أظهر العدو نفسه قدرته على تطوير الوحدة عندما يحتاج إلها:
لقد نجحت الحكومة البرتغالية في ضمان المساعدة التي تلقتها من القوى الغربية وحلفائها العنصريين في جنوب إفريقيا طالما كان ذلك ضروريًا. ومن واجبنا التأكيد على الطابع الدولي للحرب البرتغالية الاستعمارية ضد أفريقيا والدور الهام وحتى الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الاتحادية في متابعة هذه الحرب. إذا كانت الحكومة البرتغالية لا تزال متمسكة بثلاث جبهات للحرب التي تخوضها في أفريقيا فذلك لأنها يمكن أن تعتمد على الدعم العلني أو السري للولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام أسلحة الناتو بالمجان، وشراء طائرات B26 للإبادة الجماعية لشعبنا (بما في ذلك من “الأطراف الخاصة”)، والحصول على المال كلما كانت ترغب. وعلى الطائرات النفاثة والأسلحة من كل نوع من ألمانيا الاتحادية، حيث يتم نقل ومعالجة بعض جرحى الحرب من الجيش الاستعماري البرتغالي.
في خطاب الافتتاح الناري في مؤتمر مؤتمر المنظمات القومية للمستعمرات البرتغالية (CONCP) المنعقد في دار السلام عام 1965، نرى اتساع وعمق أممية كابرال الدولية في قوله:
إن قلوبنا تنبض بتساوق مع قلوب إخواننا في فيتنام الذين يقدمون لنا مثالا ساطعا من خلال مواجهة عدوان الإمبريالية الأمريكية المخجل وغير المبرر ضد شعب فيتنام المسالم. وتنبض قلوبنا على حد المساواة مع إخواننا في الكونغو الذين يسعون، في غابة ذلك البلد الأفريقي الغني والواسع، إلى حل مشاكلهم في وجه العدوان الإمبريالي والمناورات الإمبريالية من خلال الدُمى التابعة لها. هذا هو السبب الذي جعلنا في مؤتمر المنظمات القومية للمستعمرات البرتغالية أن نعلن بصوت عال وواضح أننا ضد تشومبي، ضد كل تشومبيات أفريقيا. قلوبنا أيضا مع إخواننا في كوبا، الذين أظهروا أنه حتى عندما يكونوا محاطين بالبحر، فإن الناس قادرون على حمل السلاح والدفاع عن مصالحهم الأساسية بنجاح وتقرير مصيرهم. نحن مع السود في أمريكا الشمالية، ونحن معهم في شوارع لوس أنجلوس، وعندما يحرمون من كل إمكانية للحياة، فإننا نعاني معهم.
نحن مع اللاجئين، لاجئي فلسطين الذين جُعل منهم شهداء، الذين خُدعوا وطردوا من وطنهم بواسطة مناورات الإمبريالية. نحن إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين ونؤيد بكل إخلاص كل ما يفعله أبناء فلسطين لتحرير بلدهم، ونحن نؤيد بشكل كامل الدول العربية والأفريقية بشكل عام في مساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة كرامته واستقلاله وحقه في الحياة. نحن أيضا مع شعوب جنوب الجزيرة العربية، ومع ما يسمى “أرض الصومال” الفرنسية، ومما يسمى غينيا “الإسبانية،” ونحن أيضا أكثر جدية وألم مع أشقائنا في جنوب أفريقيا الذين يواجهون أكثر أشكال التمييز العنصري بربرية.
نحن على يقين تام بأن تطور النضال في المستعمرات البرتغالية، والنصر الذي نربحه كل يوم على الاستعمار البرتغالي هو مساهمة فعالة في القضاء على نظام التمييز العنصري الفاسد والمخجل، ومن الفصل العنصري (الأبرتايد) في جنوب أفريقيا. ونحن على يقين أيضا بأن شعوباً مثل شعوب أنغولا، وموزامبيق، ونحن في غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، بعيدا عن جنوب أفريقيا، سوف تتمكن قريبا، قريبا جدا كما نأمل، من لعب دور هام للغاية في القضاء التام على آخر معقل للإمبريالية والعنصرية في أفريقيا وجنوب أفريقيا.
حول فلسطين:
لدينا مبدأ أساسي في الدفاع عن القضايا العادلة. نحن نؤيد العدالة والتقدم الإنساني وحرية الشعب. على هذا الأساس، نعتقد أن إنشاء إسرائيل، الذي قامت به الدول الإمبريالية للحفاظ على هيمنتها في الشرق الأوسط، كان مصطنعًا ويهدف إلى خلق مشاكل في تلك المنطقة الهامة جدًا من العالم. هذا هو موقفنا: لقد عاش الشعب اليهودي في بلدان مختلفة من العالم. إننا نأسف بعمق لما فعله النازيون بالشعب اليهودي، حيث دمر هتلر وأتباعه ما يقرب من ستة ملايين خلال الحرب العالمية الأخيرة. لكننا لا نقبل أن يكون هذا مبررا يمنحهم الحق في احتلال جزء من الأمة العربية. نحن نؤمن بأن لشعب فلسطين الحق في وطنه. ولذلك نعتقد أن جميع التدابير التي أُتُخِذت بواسطة الشعوب العربية، وبواسطة الأمة العربية، لاستعادة الوطن العربي الفلسطيني لها ما يبررها.
حول فيتنام:
بالنسبة لنا، فإن النضال في فيتنام هو نضالنا. إننا نعتبر أنه في فيتنام ليس مصير شعبنا فقط على المحك، بل مصير جميع الشعوب التي تكافح من أجل استقلالها الوطني وسيادتها. إننا نتضامن مع شعب فيتنام، ونُعجب بشدة بنضالهم البطولي ضد العدوان الأمريكي وضد عدوان الرجعيين في الجزء الجنوبي من فيتنام، الذين هم مجرد دمى للإمبريالية الأمريكية.
بعد زيارته للولايات المتحدة، التقى كابرال بممثلين عن عدد من مجموعات تحرير السود، وأظهر فهماً عميقاً للنضال الذي قاموا به وتضامن معه.
يمكنكم التأكد من أننا ندرك الصعوبات التي تواجهونها والمشاكل التي تواجهكم ومشاعركم وثوراتكم وآمالكم أيضًا. نحن نعتقد أن قتالنا من أجل أفريقيا ضد الاستعمار والإمبريالية هو دليل على فهم مشكلتكم وأيضا مساهمة في حل مشاكلكم في هذه القارة. من الطبيعي أن العكس هو الصحيح أيضا. كل الإنجازات التي تحققت لحل مشاكلكم هنا هي مساهمات حقيقية بالنسبة نضالنا. ونحن نشعر بتشجيع كبير في نضالنا من خلال حقيقة أن المزيد من الأشخاص الأفريقيين الذين يولدون في أمريكا في كل يوم يصبحون مدركين لمسؤولياتهم تجاه النضال في أفريقيا.
نحن نعتقد أن كل ما يمكنكم القيام به هنا لتطوير ظروفكم الخاصة بحس التقدم، بمعنى التاريخ وبمعنى الإدراك التام لطموحاتكم كبشر هو إسهام لنا. إنها أيضًا مساهمة بالنسبة لكم ألا تنسوا أبدًا أنكم أفارقة.
كما أنه (كابرال) يضع نقطة مهمة حول سياسة عدم الانحياز، موضحًا أن هذا لا يعني “لا الشرق ولا الغرب،” أو “لا الرأسمالية ولا الاشتراكية،” بل بالأحرى يعني الاحتفاظ باستقلال عملية صنع القرار:
عدم الانحياز بالنسبة لنا يعني عدم الانحياز إلى التكتلات، وعدم انحيازنا إلى قرارات الآخرين. نحن نحتفظ بالحق في اتخاذ قراراتنا الخاصة، وإذا كان عن طريق الصدفة قد اتفقت اختياراتنا وقراراتنا مع قرارات الآخرين، فهذا ليس خطأنا. نحن ملتزمون بسياسة عدم الانحياز، لكننا نعتبر أنفسنا ملتزمين بشدة تجاه شعبنا وملتزمين بكل قضية عادلة في العالم. نحن نرى أنفسنا كجزء من جبهة واسعة للنضال من أجل خير الإنسانية.
كوبا:
في كتابه الرائع، البعثات المتعارضة، كتب بييرو جلاسيس (Piero Gleijeses) بعض التفاصيل حول العلاقة بين كوبا وغينيا بيساو:
في يناير 1966، قام كابرال بأول رحلة له إلى كوبا عندما قاد وفد الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) إلى مؤتمر القارات الثلاث في هافانا. لقد كان “الأفريقي الأكثر إثارة للإعجاب” حسب ما أوردته المخابرات الأمريكية، وكان له انطباع قوي على مضيفيه الكوبيين. تذكر ريسكيت قائلاً: “لقد كان خطابه إلى القارات الثلاث رائعًا.” لقد أُعجب الجميع بذكائه وشخصيته العظيمة. كان فيدل شديد الإعجاب به…”
وقد ذكر أميلكار كابرال أن كوبا وحدها يجب أن ترسل مقاتليها إلى غينيا بيساو. لقد اختار كوبا جزئياً لأنه شعر ببعض الانجذاب الثقافي والعرقي للكوبيين، وقبل كل شيء، لأنه احترم الثورة الكوبية. وقال أمام مجموعة من الكوبيين في أغسطس 1966: “أتذكر أنني عندما كنت في كوبا، أخبرني فيدل أن كوبا هي إفريقيا أيضًا. لا أعتقد أن هناك حياة بعد الموت، ولكن إذا حدث ذلك، يمكننا أن نكون متأكدين إن أرواح أسلافنا الذين اقتيدوا إلى أمريكا ليكونوا عبيداً يفرحون اليوم لرؤية أطفالهم يتحدّون ويعملون معاً لمساعدتنا على أن نكون مستقلين وأحرار.” وبعد ثلاثين عاماً، ردد قادة آخرون في الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) كلماته. “نحن معجبون كثيرا بنضال الشعب الكوبي. كان الكوبيون حالة خاصة لأننا كنا نعلم أنهم نصراء الأممية، أكثر من أي شخص آخر. وقال آخر “لم تتقدم كوبا بأي مطالب، وقدمت لنا مساعدة غير مشروطة.”
كانت مساعدات الكتلة السوفييتية هي الحاسمة. لقد قدمت الأسلحة والفرص التعليمية وغيرها من الدعم المادي والسياسي. كان الاتحاد السوفياتي، إلى حد بعيد، المصدر الرئيسي للأسلحة. كما قدمت كوبا مساعدة مادية، في شكل إمدادات، وتدريب عسكري في كوبا، ومنح دراسية. كان هذا جهدا كبيرا وسخيا لبلد فقير. لكن كوبا فعلت أكثر من ذلك بكثير، وكان دورها فريدا من نوعه. قاتل الكوبيون فقط في غينيا بيساو جنبا إلى جنب مع مقاتلي حرب العصابات من الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC).
قال لويس كابرال (شقيق أميلكار) في وقت لاحق: “لقد استطعنا القتال والانتصار لأن دولًا أخرى وشعوباً أخرى ساعدونا … بالأسلحة، بالأدوية، بالإمدادا… لكن هناك دولة واحدة بالإضافة إلى الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي أرسلت حتى أبنائها للقتال إلى جانبنا لإراقة دماءهم في أرضنا إلى جانب أبناء بلدنا. هذا الشعب العظيم، هذا الشعب البطل، نعلم جميعا أنه شعب كوبا البطل. كوبا فيديل كاسترو، كوبا سييرا مايسترا، كوبا مونكادا… أرسلت كوبا أفضل أبنائها إلى هنا لمساعدتنا في الجوانب الفنية لحربنا، لمساعدتنا على خوض هذا الكفاح العظيم ضد الاستعمار البرتغالي.
في زيارته لكوبا في عام 1966، ذكر كابرال:
إذا جاء أي منا إلى كوبا بشكوك في ذهنه حول صلابة وقوة ونضج وحيوية الثورة الكوبية، فقد أزيلت هذه الشكوك بما استطعنا رؤيته. لقد أُدفئت قلوبنا الآن من خلال اليقين الذي لا يتزعزع والذي يمنحنا الشجاعة في النضال الصعب والمجيد ضد العدو المشترك: لن تكون هناك قوة في العالم قادرة على تدمير هذه الثورة الكوبية، التي خلقت في الريف وفي المدن، حياة جديدة ولكن أيضا – والأكثر أهمية – إنسان جديد، مدرك تماما لحقوقه وواجباته الوطنية والقارية والدولية…
نؤكد نحن، شعوب البلدان الأفريقية التي لا يزال يهيمن عليها الاستعمار البرتغالي بالكامل، أننا مستعدون لإرسال عدد أكبر من الرجال والنساء إلى كوبا من أجل التعويض عن رحيل أولئك الذين لأسباب تتعلق بالطبقة أو العجز عن التكيف لما لديهم من مصالح أو مواقف لا تتوافق مع مصالح الشعب الكوبي. وإذ نعيد مرة أخرى مسار أسلافنا الصعب والمأساوي في السابق (من غينيا وأنغولا بشكل رئيسي) الذين أخذوا إلى كوبا كعبيد، فإننا سنأتي الآن كرجال أحرار، بوصفنا عمالا راغبين ووطنيين كوبيين، للوفاء بوظيفة منتجة في هذا المجتمع الجديد العادل ومتعدد الأعراق، وللمساعدة للدفاع بحيواتنا الخاصة عن انتصارات الشعب الكوبي. وهكذا نعزز كل روابط التاريخ والدم والثقافة التي توحّد شعوبنا بالشعب الكوبي، والتضحية العفوية بالنفس، والفرح العميق والإيقاع المُعدي الذي يجعل بناء الاشتراكية في كوبا ظاهرة جديدة بالنسبة للعالم، وهو حدث فريد وغير معتاد بالنسبة للعديد من الناس.
التضامن مع حركة الطبقة العاملة في “العالم الأول:”
كابرال لم يتعب أبداً من تسليط الضوء على الحاجة إلى التضامن العالمي والوحدة ضد الإمبريالية – وهي وحدة يجب أن تشمل الطبقات المضطهدة في المجتمع الإمبريالي نفسه. ومع ذلك، فقد فهم من التجربة المباشرة أن إنشاء “الأرستقراطية العمالية” كان له أثر كبير في الحد من المشاعر المعادية للإمبريالية عند الطبقة العاملة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. بصراحة، كان قد فهم هذه الظاهرة أفضل من 90٪ من اليساريين الغربيين.
أود فقط أن أوضح نقطة أخيرة حول التضامن بين حركة الطبقة العاملة الدولية ونضال التحرر الوطني. هناك بديلان: إما أن نعترف بأن هناك بالفعل صراع ضد الإمبريالية التي تهم الجميع، أو ننكر ذلك. إذا، كما يبدو من جميع الأدلة، فإن الإمبريالية موجودة وتحاول في الوقت نفسه السيطرة على الطبقة العاملة في كل الدول المتقدمة وخنق حركات التحرر الوطني في كل البلدان المتخلفة، ثم هناك عدو واحد فقط نحارب ضده. إذا كنا نقاتل معاً، أعتقد أن الجانب الرئيسي لتضامننا بسيط للغاية: إنه القتال…
نحن نناضل في غينيا والأسلحة في أيدينا، يجب أن تكافحوا في بلدانكم أيضًا – لا أقول برفع السلاح، لن أخبركم كيف تناضلون، هذا هو عملكم. لكن يجب أن تجدوا أفضل الوسائل وأفضل أشكال القتال ضد عدونا المشترك: هذا هو أفضل شكل من أشكال التضامن. هناك، بطبيعة الحال، أشكال ثانوية أخرى من التضامن: طباعة ونشر المواد، إرسال الأدوية، إلخ؛ أستطيع أن أؤكد لكم أنه إذا حققنا غدًا اختراقاً وأنتم متورطون في كفاح مسلح ضد الإمبريالية في أوروبا، فسوف نرسل إليكم بعض الأدوية أيضًا.
من المثير للاهتمام أن كابرال رأى الإمبريالية بأنها تشكل تهديدًا للطبقة العاملة الأوروبية أكبر مما تشكله لجماهير الأمم المضطهدة – وبينما أحدثت الإمبريالية الثورة في هذه الأخيرة، فقد عملت على تهدئة الأولى، بتشجيع تطوير بروليتاريا ذات امتيازات، وبالتالي خفض المستوى الثوري للطبقات العاملة.”
كما نراه، فإن الاستعمار الجديد (الذي يمكن أن نسميه الإمبريالية المعقلنة) هو هزيمة أكبر للطبقة العاملة الدولية أكثر مما هي هزيمة الشعوب المستعمرة. الاستعمار الجديد يعمل على جبهتين – في أوروبا وكذلك في البلدان المتخلفة. إن إطاره الحالي في البلدان المتخلفة هو سياسة المعونة، وأحد الأهداف الأساسية لهذه السياسة هو إنشاء برجوازية مزيفة لوضع حد للثورة وتوسيع إمكانيات البورجوازية الصغيرة كمحيِّد للثورة. وفي الوقت نفسه يستثمر رأس المال في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وإنجلترا وهلم جرا. وفي رأينا أن الهدف من ذلك هو تحفيز نمو أرستقراطية عمالية، لتوسيع مجال عمل البرجوازية الصغيرة من أجل منع الثورة.
في نظرته العامة عن المجتمع الطبقي في غينيا بيساو، يلاحظ أن المستوطنين من الطبقة العاملة غالبا ما يكونون الأكثر رجعية. هذا هو مظهر آخر من مظاهر نجاح الطبقات الحاكمة الغربية في غسل أدمغة العمال.
المستوطنون الأوروبيون، بشكل عام، معادون لفكرة التحرر الوطني. هم الأدوات البشرية للدولة الاستعمارية في بلادنا ولذلك فهم يرفضون مسبقا أي فكرة عن التحرر الوطني هناك. يجب أن يقال إن الأوروبيين الأكثر معارضة لفكرة التحرر الوطني هم العمال، في حين أننا وجدنا في بعض الأحيان تعاطفا كبيرا لنضالنا بين بعض أعضاء البرجوازية الأوروبية الصغيرة.
متحدثاً مع درجة من الإحباط إزاء الانتقادات اللانهائية التي قُدمت إلى نضالات التحرر من قبل الطوائف اليسارية في أوروبا، يقول:
تذكرني الانتقادات بقصة عن بعض الأسود: فهناك مجموعة من الأسود عُرضت عليها صورة أسد ملقى على الأرض ورجل يحمل بندقية ويضع قدمه على الأسد (كما يعلم الجميع أن الأسد فخور بكونه ملك الغابة)؛ ينظر أحد الأسود إلى الصورة ويقول: “آه لو كان بإمكاننا نحن الأسود أن نرسم.” إذا استطاع واحد فقط من قادة إحدى الدول الأفريقية الجديدة أن يأخذ إجازة من المشاكل الفظيعة في بلده وأصبح ناقدًا لليسار الأوروبي لقال كل ما كان يمكن أن يقوله عن تراجع الثورة في أوروبا، وعن اللامبالاة المحددة في بعض الدول الأوروبية، والآمال الزائفة التي كانت لدينا جميعًا في بعض المجموعات الأوروبية…
ضد الدوغماتية:
يشتهر أميلكار كابرال بإصراره على النهج الملموس للمشاكل الملموسة، بدلاً من التطبيق الدوغمائي للصيغ العقائدية. لم يكن بأي حال من الأحوال ضد الأيديولوجية، لكنه كان مصراً على أنه لا يمكن ببساطة نقل مجموعة من المبادئ الثورية بالجملة من حالة إلى أخرى. كتب بازل ديفيدسون، المؤرخ الإنجليزي الأفريقاني والمؤرخ الرئيسي لثورة غينيا بيساو: “إذا كان على المرء أن يحدد جانبًا مؤثرًا واحدًا من نهج كابرال، فربما يكون إصراره على دراسة الواقع.” “لا تخلط بين الواقع الذي تعيش فيه والأفكار التي تحملها في رأسك،” كان شعارا مفضلاً في الحلقات الدراسية لمحاربي الحزب. قد تكون أفكارك جيدة، بل وممتازة، لكنها ستكون أفكارًا عديمة الجدوى ما لم تنبع من الواقع الذي تعيش فيه وتتداخل معه. ما هو ضروري هو رؤية ما في داخل المظاهر وما وراءها: لتحرير نفسك من قبضة “الآراء الجاهزة،” سواء أكانت أكاديمية أم غير ذلك. فقط من خلال دراسة مبدئية للواقع، من هنا وبصورة صارمة، يمكن دمج نظرية التغيير الثوري مع ممارستها إلى النقطة التي يصبح فيها الإثنان غير منفصلين. هذا ما علمه كابرال.”
بعد كل شيء، لم يكن هناك بالتأكيد أي صيغ جاهزة للاستخدام في سياق غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر. هذه المجتمعات الأفريقية المعقدة للغاية، والتي تم تحويل تاريخها عن طريق قرون من الاضطهاد من قبل قوة استعمارية كانت في حد ذاتها متخلفة للغاية، كانت بالكاد تشبه المراكز الثورية التي كان يفكر فيها ماركس وإنجلز عندما أنتجا المنفستو الشيوعي في عام 1848. إن تطبيق ماو تسي تونج المذهل للماركسية على ظروف شبه اقطاعية في الصين قدم تشابهاً أقرب إلى الظروف السائدة في غينيا بيساو، ولكن حتى في تلك الحالة كانت هناك اختلافات مهمة تتطلب تحليلاً ملموساً.
وبطبيعة الحال، هناك قوانين عامة أو عالمية معينة، وحتى القوانين العلمية لأي ظرف، ولكن يجب تطوير نضال التحرر وفقًا للظروف المحددة لكل بلد. هذا أمر أساسي. وتشمل الشروط المحددة التي ينبغي النظر فيها الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية وحتى الجغرافية. لقد أخبرتنا كتيبات حرب العصابات أنه بدون الجبال لا يمكنك شن حرب عصابات. لكن في بلدي لا توجد جبال، بل يوجد الشعب فقط. في المجال الاقتصادي ارتكبنا خطأ. بدأنا تدريب شعبنا على ارتكاب فعل التخريب على خطوط السكك الحديدية. عندما عادوا من تدريبهم، تذكرنا أنه لا توجد خطوط سكك حديدية في بلدنا. البرتغاليون بنوها في موزامبيق وأنغولا ولكن ليس في بلدنا.
أجرى الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) دراسة مستفيضة عن علاقات الإنتاج في الريف، مما ساقه إلى حملة لتعبئة الفلاحين كانت مختلفة تمامًا عما حدث في بلدان أفريقية وآسيوية أخرى.
ما حدث في بلادنا أن المستعمرين البرتغاليون لم يقوموا بمصادرة الأرض. لقد سمحوا لنا بزراعة الأرض. لم يقوموا بإنشاء شركات زراعية من الطراز الأوروبي كما فعلوا، على سبيل المثال، في أنغولا، حيث قاموا بتشريد جماهير الأفارقة من أجل إحلال الأوروبيين. لقد حافظنا على البنية الأساسية تحت الاستعمار – الأرض كملكية تعاونية للقرية، للمجتمع. هذه سمة مهمة جدا للفلاحين، والتي لم يستغلها المستعمرون بشكل مباشر ولكن تم استغلالها من خلال التجارة، من خلال فروق الأسعار والقيمة الحقيقية للمنتجات. هذا هو المكان الذي يحدث فيه الاستغلال، وليس في العمل، كما كان يحدث في أنغولا مع العمال المستأجرين وموظفي الشركات. وقد خلق هذا صعوبة خاصة في كفاحنا، ألا وهي كيفية أن نُظهر للفلاح أنه يجري استغلاله في بلده.
إن إخبار الناس بأن “الأرض تخص أولئك الذين يعملون عليها” لم تكن كافية لتعبئتهم، لأن لدينا أكثر من أرض كافية، فهناك كل الأراضي التي نحتاجها. كان علينا أن نجد صيغ مناسبة لتعبئة فلاحينا، بدلاً من استخدام مصطلحات لم يستطع شعبنا فهمها بعد. لا يمكننا أبدا أن نعبئ شعبنا ببساطة على أساس الكفاح ضد الاستعمار – وهذا ليس له أي تأثير. الكلام عن الكفاح ضد الإمبريالية ليس مقنعا بما فيه الكفاية. بدلاً من ذلك، نستخدم لغة مباشرة يمكن للجميع فهمها:
“لماذا ستقاتل؟ من أنت؟ من هو والدك؟ ما الذي حدث لأبيك حتى الآن؟ ما هو الوضع؟ هل دفعت الضرائب؟ هل دفع والدك الضرائب؟ ماذا رأيت من تلك الضرائب؟ كم تحصل على الفول السوداني؟ هل فكرت كم ستكسب من الفول السوداني الخاص بك؟ كم يكلف عرق عائلتك؟ من منكم تم سجنه؟ أنت ذاهب للعمل لبناء الطرق: من الذي يعطيك الأدوات؟ أنت تجلب الأدوات. من الذي يقدم وجباتك؟ كنت تقدم وجبات الطعام الخاصة بك. لكن من يمشي على الطريق؟ من لديه سيارة؟ وابنتك التي تعرضت للاغتصاب، هل أنت سعيد بذلك؟”
الانتحار الطبقي:
ونظراً إلى الغياب شبه التام لطبقة عاملة صناعية، وانتشار العناصر البرجوازية الصغيرة (أو الطبقة الوسطى) في قيادة حركة التحرر الوطني، تحدث كابرال عن حاجة البورجوازية الصغيرة لارتكاب “الانتحار الطبقي” لكي لا يتم حجز مكاسب الثورة.
لكيما تحتفظ بالسلطة التي يضعها التحرر الوطني بين يديها، فإن البرجوازية الصغيرة لا تملك إلا سبيلاً واحداً: أن تطلق العنان لميولها الطبيعية لتصبح أكثر برجوازية، للسماح بتطوير برجوازية بيروقراطية وسيطة في الدورة التجارية، لتحويل نفسها إلى بورجوازية وطنية زائفة، وهذا يعني إنكار الثورة والحليف بالضرورة. وحتى لا تخون هذه الأهداف، فإن البرجوازية الصغيرة ليس أمامها سوى خيار واحد: تعزيز وعيها الثوري، ورفض إغراءات أن تصبح أكثر برجوازية، والمخاوف الطبيعية لعقليتها الطبقية، والتماهي مع الطبقات العاملة وعدم معارضة التطور الطبيعي لعملية الثورة. وهذا يعني أنه من أجل تحقيق دور حقيقي في نضال التحرر الوطني، يجب على البرجوازية الصغيرة الثورية أن تكون قادرة على الانتحار كطبقة لكي تولد من جديد كعمال ثوريين، وتتماهى بشكل كامل وعميق مع تطلعات الناس الذين تنتمي إليهم.
الكفاح المسلح:
ناضل شعب غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر من أجل الاستقلال – بنجاح – بحمل السلاح (والفضل في المقام الأول يرجع إلى الاتحاد السوفياتي، مع التكنولوجيا العسكرية المتطورة). ومع ذلك، فإن كابرال لم يجعل أبداً من الكفاح المسلح وفقدان الحياة البشرية أمراً رومانسياً.
تجارب الماضي والحاضر لشعوب مختلفة، والوضع الحالي لنضالات التحرر الوطني في العالم (خاصة في فيتنام والكونغو وزيمبابوي) وكذلك حالة العنف الدائم، أو على الأقل التناقضات والاضطرابات، في بعض البلدان التي حصلت على استقلالها من خلال ما يسمى بالطريق السلمي، أظهرت لنا ليس فقط أن المساومات مع الإمبريالية لا تجدي، ولكن أيضا أن الطريقة الطبيعية للتحرير الوطني، المفروضة على الشعوب بواسطة القمع الإمبريالي، هي الكفاح المسلح.
أنا لست مدافعا كبيرا عن القتال المسلح. أنا شخصياً واع جداً بالتضحيات التي يتطلبها القتال المسلح. إنه عنف ضد حتى شعبنا. لكنه ليس من اختراعنا – إنه ليس قرارنا الوقح. إنه مطلب التاريخ. هذه ليست المعركة الأولى في بلدنا، وليس كابرال هو من اخترع النضال. نحن نتبع مثال أجدادنا الذين قاتلوا ضد الهيمنة البرتغالية منذ 50 عامًا. إن قتال اليوم هو استمرار للنضال من أجل الدفاع عن كرامتنا، وحقنا في الحصول على هوية – هويتنا الخاصة.
إذا كان من الممكن حل هذه المشكلة دون القتال المسلح – فلم لا؟! ولكن بينما يتطلب القتال المسلح تضحيات، إلا أنه، في المقابل، يتمتع بمزايا. مثل كل شيء آخر في العالم، لديه وجهان – أحدهما إيجابي والآخر سلبي – المشكلة هي في التوازن. بالنسبة لنا الآن، فإن الكفاح المسلح شيء جيد في رأينا، وظرفنا شيء جيد لأن هذا القتال المسلح ساعدنا على تسريع ثورة شعبنا، لخلق وضع جديد من شأنه أن يُسهِّل تقدمنا.
التاريخ الأفريقي والثقافة الأفريقية:
عادة ما يقول المستعمرون إنهم هم الذين أدخلونا في التاريخ: اليوم نُريهم أن الأمر ليس كذلك. لقد جعلونا نترك التاريخ، تاريخنا، لنتّبعهم، من الخلف، لنتّبع تقدم تاريخهم. اليوم، بحملنا للسلاح لتحرير أنفسنا، باتباع مثال الشعوب الأخرى التي حملت السلاح لتحرير نفسها، نريد العودة إلى تاريخنا، على أقدامنا، بوسائلنا الخاصة ومن خلال تضحياتنا الخاصة.
في كلمته في مؤتمر القارات الثلاث الأول في هافانا، 1966م، وضع كابرال الفكرة التي طُرحت في البيان الشيوعي أن “كل التاريخ هو تاريخ الصراع الطبقي” محل تساؤل، مشيرا إلى أن هذا يفصل المجتمع قبل الطبقي من التاريخ.
هل يبدأ التاريخ فقط بتطور ظاهرة “الطبقة،” وبالتالي الصراع الطبقي؟ الرد بالإيجاب سيكون قد وضع خارج التاريخ كل فترة حياة المجموعات البشرية من اكتشاف الصيد، وبعد ذلك البدوية والزراعة المستقرة، إلى تنظيم القطعان والاستيلاء الخاص على الأرض. من المفترض أيضًا أن نعتبر – وهذا ما نرفض قبوله – أن مختلف المجموعات البشرية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية كانت تعيش بدون تاريخ، أو خارج التاريخ، في الوقت الذي تعرضت فيه لنير الإمبريالية. الجدير بالذكر أن شعوب بلداننا، مثل البالانتيز في غينيا Balantes of Guinea ، والكوانياماز في أنغولا Coaniamas of Angola والماكونديز في موزمبيق Macondes of Mozambique، لا تزال تعيش اليوم خارج التاريخ – إذا قمنا بتجريد التأثير الطفيف للاستعمار الذي تعرضت له ـ أو أنها ليس لديها تاريخ.
في مكان الصراع الطبقي كقوة دافعة لكل التاريخ، يقترح كابرال بدلاً من ذلك تطور وسائل الإنتاج:
إذا كان الصراع الطبقي هو القوة المحركة للتاريخ، فهو فقط في فترة تاريخية محددة. وهذا يعني أنه قبل الصراع الطبقي – وبالطبع بعده، حيث أنه في هذا العالم ليس هناك ما قبل بدون ما بعد – كان هناك واحد أو عدة عوامل ستكون القوة المحركة للتاريخ. ليس من الصعب أن نرى أن هذا العامل في تاريخ كل مجموعة بشرية هو نمط الإنتاج – مستوى القوى المنتجة ونمط الملكية – الذي يُميِّز تلك المجموعة. علاوة على ذلك، كما رأينا، فإن الطبقات نفسها، والنضال الطبقي، وتعريفاتها اللاحقة، هي نتيجة لتطور القوى الإنتاجية المترابطة مع نمط ملكية وسائل الإنتاج. لذا يبدو من الصحيح أن نستنتج أن مستوى القوى المنتجة، العنصر الجوهري الحاسم في محتوى ونضال الطبقة، هو القوة الدافعة الحقيقية والدائمة للتاريخ…
الأبدية ليست من هذا العالم، لكن الإنسان سوف يتخطى الطبقات وسيواصل إنتاج وصنع التاريخ، لأنه لا يستطيع أبدًا أن يحرر نفسه من عبء حاجاته، المتعلقة بالعقل وبالجسد معاً، والتي هي أساس تطور قوى الانتاج.
من خلال هذا المنطق، يسعى كابرال إلى كسر عقدة الدونية التي يتم دفعها إلى جماهير الأمم المضطهدة من قبل الأيديولوجية الاستعمارية، وإعادة تأكيد مكانة أفريقيا في التاريخ. كما أنه يستخدم هذه النظرية لوضع نضال التحرر الوطني في حركة التاريخ نحو الاشتراكية: فقد أعاقت الهيمنة الاستعمارية في الواقع تطور القوى الإنتاجية (وهذا هو الحال خاصة بالنسبة للمستعمرات البرتغالية) وهي عقبة أمام التقدم.
في كل من الاستعمار والاستعمار الجديد، تظل السمة الأساسية للهيمنة الإمبريالية كما هي: نفي العملية التاريخية للشعب المسيطر عليه عن طريق الاغتصاب العنيف لحرية تنمية القوى الإنتاجية الوطنية.
يجب على المستعمرات إزالة هذه العقبة، ومن أجل التنمية السريعة، عليها بالانحياز إلى الدول الاشتراكية:
بغض النظر عن مستوى القوى المنتجة والهيكل الاجتماعي القائم، يمكن للمجتمع أن يمر بسرعة عبر المراحل المحددة المناسبة للواقع المحلي الملموس (التاريخي والإنساني) والوصول إلى مرحلة أعلى من الوجود. يعتمد هذا التقدم على الإمكانات الملموسة لتطور القوى الإنتاجية للمجتمع وتحكمها بشكل أساسي طبيعة السلطة السياسية الحاكمة للمجتمع… سيُظهر تحليل أكثر تفصيلاً أن إمكانية حدوث قفزة في العملية التاريخية تنشأ في المجال الاقتصادي بشكل أساسي من قوة الوسائل المتاحة للإنسان في ذلك الوقت للسيطرة على الطبيعة، وفي المجال السياسي، من الحدث الجديد الذي غيّر جذريًا وجه العالم وتطور التاريخ، وهو خلق الدول الاشتراكية.
كما يشير إلى عملية التنمية البشرية المكثفة التي تحدث في إطار نضال التحرر الوطني نفسه بالقول:
إن نضالنا للتحرر الوطني له أهمية كبيرة لكل من أفريقيا والعالم. نحن بصدد إثبات أن شعوبا مثلنا – متخلفة اقتصاديًا، تعيش أحيانًا شبه عارية في الأدغال، ولا تعرف كيف تقرأ أو تكتب، ولا تمتلك حتى أكثر المعارف أولية في التكنولوجيا الحديثة – قادرة، عن طريق التضحيات والجهود، على ضرب العدو الذي ليس فقط أكثر تقدما من وجهة نظر تكنولوجية ولكن أيضا المدعوم من قوى الإمبريالية العالمية القوية. وهكذا أمام العالم وأمام أفريقيا نسأل: هل كان البرتغاليون على حق عندما زعموا أننا شعوب غير متحضرة، شعوب بلا ثقافة؟ نسأل: ما هي أبرز مظاهر الحضارة والثقافة إن لم تكن تلك التي أظهرها شعب يحمل السلاح ليحمي حقه في الحياة والتقدم والعمل والسعادة؟
كما ركز كابرال بقوة على دور الإمبريالية الثقافية في قمع شعوب الأمم المضطهدة، وأهمية الثقافة كعنصر من عناصر المقاومة للإمبريالية:
إن الشعب الذي يحرر نفسه من الهيمنة الأجنبية سوف يكون حرا ثقافياً فقط إذا لم يعد بدون عُقد وبدون التقليل من أهمية التراكمات الإيجابية من ثقافة الظالم وغيرها من الثقافات، إنهم يرجعون إلى المسارات الصاعدة لثقافتهم، التي تغذيها الحقيقة الحية من بيئتها، والذي ينفي كل من التأثيرات الضارة وأي نوع من أنواع الخضوع للثقافة الأجنبية. وهكذا، يمكن ملاحظة أنه إذا كانت السيطرة الإمبريالية بحاجة ماسة لممارسة القمع الثقافي، فإن التحرر الوطني هو بالضرورة عمل ثقافي.”
تكمن قيمة الثقافة كعنصر مقاومة للسيطرة الأجنبية في حقيقة أن الثقافة هي مظهر قوي على المستوى الأيديولوجي أو المثالي للواقع المادي والتاريخي للمجتمع الذي يُهيمَن عليه أو سيُهيمَن عليه. الثقافة هي في الوقت نفسه ثمرة لتاريخ الشعب ومُحدِّد للتاريخ، من خلال التأثير الإيجابي أو السلبي الذي تمارسه على تطور العلاقات بين الإنسان وبيئته، بين الأفراد أو مجموعات من الأفراد داخل المجتمع، وكذلك بين مختلف المجتمعات.
على الرغم من تأكيده على أهمية الثقافة والهوية الإفريقية، كان كابرال يوضح دائمًا أن هذا لم يكن مستندًا إلى أي نوع من التمييز أو مشاعر التفوق.
نحن لسنا عنصريين. نحن بشكل أساسي ضد أي نوع من العنصرية. حتى عندما يتعرض الناس للعنصرية نحن ضد العنصرية من قِبل الذين تعرضوا للاضطهاد بواسطتها. في رأينا – ليس من الحلم بل من تحليل عميق للحالة الحقيقية لوجود البشرية وتقسيم المجتمعات – فإن العنصرية هي نتيجة لظروف معينة. إنها ليست أبدية في أي خط عرض في العالم. إنها نتيجة الظروف التاريخية والاقتصادية. ولا يمكننا الرد على العنصرية بالعنصرية. ليس من الممكن. في بلدنا، على الرغم من بعض المظاهر العنصرية من قبل البرتغاليين، فإننا لا نقاتل ضد الشعب البرتغالي أو البيض. نحن نقاتل من أجل حرية شعبنا – لتحرير شعبنا والسماح له بالقدرة على حب أي نوع من البشر. لا يمكنك أن تحب عندما تكون عبدا… في مكافحة العنصرية لا نحرز تقدما إذا ما قاتلنا الناس أنفسهم. علينا أن نكافح أسباب العنصرية. إذا جاء اللصوص إلى منزلي، ولدي بندقية، علي ألا أطلق النار على ظل اللص. لا بد لي من اطلاق النار على اللصوص. يبدد الكثير من الناس الطاقة والجهد، ويقدمون التضحيات في مقاتلة الظلال.
للمزيد من القراءة:
وغني عن القول، أن مجموعة مختارة من الاقتباسات لا يمكن إلا أن تكون بمثابة الخطوط العريضة والمقدمة للفكر السياسي والثقافي والفلسفي لأميلكار كابرال. أدناه بعض المواد الأخرى التي قد تجدها مفيدة:
• Speech: The Weapon of Theory
• Article: Tell no lies, Claim no easy victories
• Speech: The Nationalist Movements of the Portuguese Colonies
• Speech: Brief Analysis of the Social Structure in Guinea
• Speech: Connecting the struggles: An informal chat with black Americans
• Obituary by Yusuf Dadoo: Amilcar Cabral – Outstanding Leader Of African Liberation Movement
• Article by Ama Biney: Cabral at 90: Unity and struggle continue in Africa
• Selected quotes (blog): Return to the Source
• Article by Danny Shaw: Amilcar Cabral and the national liberation movement of Guinea Bissau and Cape Verde
• Book: Unity and Struggle (Speeches and Writings of Amilcar Cabral)
• Book: Return to the Source (Selected Speeches of Amilcar Cabral)
• Book: Basil Davidson – No Fist is Big Enough to Hide the Sky
• Book: Reiland Rabaka – Concepts of Cabralism: Amilcar Cabral and Africana Critical Theory
• Book: Patrick Chabal – Amílcar Cabral: Revolutionary leadership and people’s war
• Book: Piero Gleijeses – Conflicting Missions
Source:
http://www.invent-the-future.org/2014/09/amilcar-cabral/