بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالغني بريش فيوف
عندما اتخذ مجلس التحرير الإقليمي (جبال النوبة)عدة قرارات منها سحب الثقة عن الأمين العام للحركة الشعبية وسحب ملف المفاوضات منه. عدّ البعض قرار الإقالة عملاً عنصريا رغم أن مجلس التحرير قد اتخذ هذا القرار بعد تقييم مجمل أداء الأمانة خلال الست سنوات الماضية سيما ملف المفاوضات والتحالفات السياسية وغيرها من الملفات.
نعم ، لم تأتي قرارات مجلس التحرير هكذا عبثا أو من فراغ ولا علاقة لها بالعنصرية أو تقوقع هذا المجلس اقليميا كما يزعم بعض طراطير المركز الذين انضموا للحركة الشعبية ليس إيماناً بمبادئها وأهدافها ، بل ابتغوا التسلق وادعاء فكر السودان الجديد بعد أن قعدت بهم أطماعهم الدنيئة، وتقزمت طموحاتهم، واقتصرت نظرتهم لما دون أنوفهم، ليس لديهم ما يقدموه، لكنهم قادرون وبجدارة على إعاقة الآخرين وإيقاعهم في المآزق والفتن.
في حوار مطول أجرته الصحفية فاطمة أحمدون مع الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي عن راهن الوضع السياسي في البلاد ، وعن خارطة الطريق الأفريقية ، وعن الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو إمبيكي ، وعن الخلافات الداخلية التي تضرب الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ..يعني الحوار كان طويل وطويل جدا. لكن ما لفت نظري في هذا الحوار هو ما قاله الصادق المهدي عن اتفاق وقعه مع مالك عقار وياسر عرمان بغرض التخلي عن استخدام القوة لإسقاط النظام ، حيث قال المهدي:
**في أغسطس الماضي توصلنا إلى اتفاق معهم بموجبه يتم التخلى عن اسقاط النظام بالقوة والتخلي عن تقرير المصير ووقعنا على هذا الاتفاق وسنظل نطالب هؤلاء الزملاء بالاستمرار في الاتفاق ..انتهى كلام المهدي**.
عزيزي القارئ..
ما قاله المهدي عن توقيعه على اتفاق مع عرمان ومالك بوجبه يتم التخلي عن اسقاط النظام بالقوة ، إنما كلام خطير وخطير جدا، ذلك أن الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال أكدت في بياناتها ورسائلها التنظيمية المختلفة ، اتباع الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها ، وتنازل عقار وعرمان عن استخدام السلاح لإسقاط نظام الإبادة الجماعية دون العودة للجيش الشعبي والمؤسسات التنظيمية في المنطقتين ، إنما يعكس عن الانتهازية التي تعرض قضايا الحركة الشعبية للمزاد في سوق النخاسة السياسية وتضحية بمصالح أهل المنطقتين وجماهير الحركة في كل مكان في سبيل منفعتهما الخاصة ومصلحتهما الشخصية.
الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع في المنطقتين خلال السنوات الست الماضية ، تحققت بفضل القوة التي استخدمتها الحركة الشعبية عبر جيشها الشعبي ، فإنه لعمل استفزازي ان لا يرى مالك عقار وعرمان قدسية في هذا السلاح الذي أصبح هاجسا يقض مضاجع النظام ، بل لا ندري سبب حقدهما على سلاح الجيش الشعبي الذي لولاه لما كان هناك تنظيم اسمه (الحركة الشعبية)؟.
فرملة الجيش الشعبي من التقدم إلى حيث رأس النظام وتجميد استخدام سلاحه ، إنما خيانة عظمى تستوجب أقصى العقوبات ..وإذا كان مالك عقار وعرمان ليس لديهما الكثير ليقدماهما، وجعلا معيار تفكيرهما ما ينالانهما من كسب، أي كسب، وجعلا عقلهما ما يلج جيبهما وما يشبع غرائزهما ونزواتهما البهيمية، لا يقيمان وزناً لمثل أو قيم ولا يسعيان لتحقيق منفعة عامة ، فعليهما إذن ترك تنظيم الحركة الشعبية اليوم قبل غد ليسير نحو تحقيق أهدافه بقوة السلاح.
لاشك أن العمل النضالي المسلح لم يكن في يوما من الأيام غاية لدى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقدر ما يشكل هذا الفعل وسيلة لدفع الظلم وردع سلطات الاغتصاب واجبارها على الاعتراف بالحقوق الشرعية للشعوب السودانية عامة وشعب المنطقتين خاصة بما فيها حقه في تقرير مصيره بنفسه. وقد تمكن هذا التنظيم من توجيه العديد من الضربات القوية للمؤسسات الاقتصادية والعسكرية السودانية في خلال الست سنوات الماضية ، بالاضافة الى تلقين مليشيات الحكومة ومرتزقتها دروساً في القتال لن تنساها، وستظل الحركة الشعبية تمارس كفاحها المسلح حتى سقوط النظام وانتصار ثورة الكرامة.
سأل ضابط “الس اي ايه” تشي جيفارا قبل إعدامه : إلى متى ستبقى تقاتل بعد أن كنت في فنزويلا والمكسيك وأنغولا والجزائر وكوبا ..إلى متى؟ فأجاب جيفارا : إلى أن يتمكن أطفال العالم من أن يشربوا كوباً من الحليب كل صباح ..أما نحن ، فنقول ،إن الجيش الشعبي لن يضع سلاحه حتى تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه ، ومن لا يعجبه هذا فالطريق إلى الخرطوم مفتوح.