عادل عبد العاطي
مقدمة:
طرح الاستاذ عثمان عجبين تساؤلات حول ضرورة تقديم القيادات النسوية للقيادة العليا في الاحزاب السودانية ؛ وزعم ان تولي النساء لقيادة الاحزاب او السياسة لم يأت بعد في السودان . وقال أنه يجب التخلص اولا من ترسانة القيود المجتمعية وهذا لن يتم داخل حزب مهما بلغت درجة استنارته. ذلك لأن الحزب السياسي نتيجة للواقع المجتمعي وليس مقدمة .وقال انه يجب صياغة المقدمات اولا . وانه لا يتوقع من قيادات نسوية غير ان يكن موتورات والسبب يكمن في ان المقدمة غير صحيحة.[i]
وقال الاستاذ عجبين ضمن ما قال ((ياخ ما في اي ديموقراطية ولا عدل في تولي النساء قيادة الاحزاب . صدعتونا بالموضوع دا . تولي النساء القيادة لمجرد انهم نساء دي متاجرة باينة مهما حاولتم تزيينها . من يقود هو من يجب ان يكون مؤهل . لكم في تجربة حزب المؤتمر السوداني في مؤتمره الاخير اسوة حسنة . مسالة التمييز الايجابي والكوتة وتهاويم الامم المتحدة دي مصممة لاقعاد من يفكر في الوقوف.))[ii]
تجربة الحزب الديمقراطي الليبرالي :
اختلفت جذريا مع الاستاذ عثمان عجبين ورددت له بالنفى من خلال تجربتنا البسيطة. قلت ان الحزب الديمقراطي الليبرالي قد حرص منذ بداية تأسيسه على تقديم النساء للقيادة ؛ وفي الحقيقة لقد اكتسبت النساء داخل حزبنا هذا الحق بعملهن ونضالاتهن. فكانت اول رئيسة للحزب هي الاستاذة نور تاور كافي واول امينة عامة هي الاستاذة زهرة حيدر ادريس. ايضا كانت اول ناطقة رسمية هي الاستاذة نسرين عمر والآن فإن الناطقة الرسمية هي الاستاذة ميسون مساعد. كما كانت هناك رفيقات احتللن مواقع قيادية مثل الدكتورة ولاء حسين اول امينة للتنظيم والاستاذة اميمة الفرجوني التي قامت بمهام الامين العام لفترة والدكتورة اريج النعمة التي شغلت منصب نائبة رئيس المجلس السياسي والاستاذة ريهان الشاذلي التي كانت مقررة المجلس السياسي الخ. كل الرفيقات المذكورات لعبن دورهن بكفاءة واقتدار.
اليوم في اللجنة التنفيذية للحزب هناك خمسة عضوات يقمن بدورهن بجدارة. للاسف في وسط هذه الباقة كانت ميادة سوار الدهب والتي ايضا دعمها الحزب وقدمها ولكنها رفضت تطوير نفسها والاستفادة من امكانيات الحزب وجعلت همها المجد االشخصي دون صقل تجاربها ومعارفها وفي النهاية تحولت الى الانتهازية السياسية الصارخة . اقول هنا انه بقدر ما نصر – كعضوية للحزب – على تقديم المرأة والشباب بقدر ما لا نتحكم في عملهم/ن ولا في تطورهم/ن فهذا يرجع لهم/ن ولاخلاصهم/ن ورغبتهم/ن في التعلم والتطور.
في ظني المتواضع ان اغلب النساء الذين دخلن مضمار السياسة – على اختلاف مدارسهن- حققن نجاحات كبيرة رغم تخلف المجتع وابوية الاحزاب السياسية السودانية وذكوريتها . هنا يمكن ان اذكر رائدات ومناضلات مثل الاستاذات والدكتورات خالدة زاهر وفاطمة احمد إبراهيم وسعاد ابراهيم احمد وسعاد الفاتح وسارة الفاضل وامال عباس العجب وفاطمة عبد المحمود وربيكا قرنق وهالة عبد الحليم ونور تاور كافي وآمنة ضرار. الا ان الانجاز الاكبر للنساء السودانيات يظل في حيز العلوم والعمل المدني والاهلي حيث حققن نتائجا اكبر وافضل. ربما يرجع ذلك لتخلف الاحزاب السودانية نفسها وذكوريتها الشديدة .
ذكورية الاحزاب السياسية السودانية:
الذكورية التي اقصدها ليست امتلاء الحزب بالذكور – والتي هي ايضا عرض للذكورية – وانما هي العقلية الذكورية التي تتلبس اغلب احزابنا وتشمل العديد من النساء ايضا. ذلك إن الذكورية هي ايدلوجية وليست نوع – فيمكن ان تجد امراة ذات عقلية ذكورية ورجلا ذو عقلية غير ذكورية. مقابل الذكورية ليس الانوثية وان كانت الانوثية اعلى كعبا من الذكورية ولسبب ما قال الكبريت الاحمر ابن عربي: (( المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه)) . مقابل الذكورية والانوثية هي الانسانية وهي التساوي في الحقوق والواجبات ثم التمييز لصالح من اضطهد قرونا ليلحق بالسبق. هنا ايضا استذكر مقولة ابن عربي الأخرى : ((كلامنا إذًا في صورة الكامل من الرجال والنساء. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى؛ والذكورية والأنوثية إنما هما عَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية)).
من دلائل الذكورية في احزابنا انهم لا يستصحبون قضايا النوع في برامجهم ابدا – فهم لما يتحدثون عن الشعب فانما يتحدثون عن الرجال وعندما يتحدثون عن المواطن فانما يتحدثون عن الرجل. ليست لاحزابنا حساسية تجاه قضايا النساء ابدا. من دليل ذلك رفضهم على اطلاقهم – عدا الحزب الليبرالي – لاتفاقية سيداو . من اعراض ذكوريتهم ايضاً أن قضايا الامومة والصحة الانجابية وامن النساء -وهن الاكثر تضررا من الحروب- وتقويتهن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا تغيب تماما عن اجندتهم ونشاطهم. هذا كله يتجلى في خطاب محتقر للمراة ومقيد لها بآلاف الشروط الاجتماعية والدينية . وقد وثقت جانبا من هذا في مناقشتي لموقف التجمع المقبور والمبعوث من جديد كبعاتي في صورة ما يسمى بقوى الاجماع من قضية النساء عموما وسيداو في مقالي التوثيقي الموسوم: << تجمع الميرغني وقرنق والتجاني الطيب أعدى اعداء المراة السودانية>> .
شروط القيادة :
أقول ان شروط القيادة يدخل فيها شرط الاستعداد الذاتي دورا كبيرا ، كما يلعب فيها شرط مؤسسية المؤسسة المعنية ( الحزب هنا ) وتوزيع الادوار فيها دورا كبيرا . كما يدخل فيها شرط التدريب والصقل والتجربة شرطا ثالثا. في ظني ان هناك ناس عديدون بما فيهم اعداد ضخمة من النساء لديهم استعداد فطري للقيادة. ربما يرجع هذا الاستعداد للتربية المبكرة او تجارب الطفولة او ظروف الاسرة الخ. ولكن العامل الحاسم هو الظروف الاجتماعية بما فيها اتاحة الفرصة والصقل والتدريب.
للأسف فإن الاحزاب السودانية تقفل الباب امام النساء والشباب بدعوى انعدام الخبرة او الكاريزما – كيف اذن تُكتسب الخبرة اذا لم يتم تقديمهم للقيادة في مستوياتها الوسيطة ثم الاولى ؟ كيف تكتسب الكاريزما وجزء كبير منها هو اجتماعي يتم اكتسابه ايضا من الموقع والنشاط ؟
التغيير في الاحزاب قبل المجتمع :
خلافا لرأي الأستاذ عثمان عجبين ارى ان تقديم المرأة للقيادة وتمكينها يجب ان يتم داخل الاحزاب نفسها ولا ينتظر التغيير المجتمعي الشامل . لماذا ؟ ذلك ان الحزب نفسه اذا لم يكن انسانيا او مؤنثا فهو لن يقود اي تغيير مجتمعي. حال الحزب في الحكم كحاله في المعارضة واولوياته في الحكم كاولوياته في المعارضة. فاذا كان الحزب المعني لا يهتم بقضايا النوع في برامجه ولا يقوي النساء داخله ولا يعطيهن الفرص للترقي والقيادة والاسهام ولا يشكل لهن بيئة صالحة وآمنة للعمل ؛ فكيف له ان يقوم بذلك عندو وصوله للحكم ؟ المثل البسيط يقول ان فاقد الشيء لا يعطيه. وهكذا فان الحزب الذكوري في المعارضة لن يتحول بين ليلة وعشاها الى حزب انساني او انثوي عندما يصل للحكم لينجز برامج التغيير ويغير المجتمع هيكليا كما نطلب ؛ وانما سيكون كل همه تأبيد القائم مع اجراء بعض الاصلاحات الخفيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
السبب الثاني ان التغيير داخل الحزب نفسه اسهل من التغيير داخل المجتمع ؛ ففي الحزب المعني هناك اناس متفقون على الرؤي والاهداف ؛ ولهم وحدة الفكر والارادة . الاحزاب كمؤسسات يفترض فيها ان تكون اكثر تنظيما ومؤسسية وحساسية بالقضايا المجتمعية ؛ لذلك فإن اجراء التغيير داخلها وانسنتها وبناء المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات هي عملية اسهل في الحزب منها في المجتمع العريض. هذا فقط اذا توفرت ارادة التغيير. من ناحية اخرى فإن اجراء التغيير في الحزب او مجموعة من الاحزاب سوف يقدم نموذجا ايجابيا وسوف يشكل جزرا انسانية وصديقة للنساء في وسط محيط ذكوري هادر – ونحن نعلم انه اذا كان لك جزيرة كان من السهل التعامل مع المحيط.
السلطة والتنوير والعلاقة المستحيلة :
طرح الاستاذ عجبين ان الاحزاب السياسية تسعى للسلطة وهي بهذا ليست معنية بالتنوير وضرب المثال الرشيد في المجتمع . وقال إن الحزب السياسي ليس مؤسسة دعوية ولا اصلاحية وفكرية . وانما هو جسم سياسي يلعب للمكسب واضاف ان كل حزب يسعي للسلطة ولهذا سوف يلعب بالكروت الرابحة و والنساء لسن كرتا رابحا حاليا. إن هذا المفهوم للحزب السياسي مرفوض عندنا تماما.
حزبنا الديمقراطي الليبرالي مثلا يسعى للسلطة لكن لتحقيق برنامجه. يعني إن البرنامج هو الاصل وليس السلطة . اذا لم يكن هناك برنامج للتغيير والنهضة بالبلاد وتمكين المواطن/ة فلتذهب السلطة ( والحزب معها) الى الجحيم. إن الاحزاب في المجتمعات المتخلفة يجب ان تلعب دورا تنويريا واصلاحيا ودعويا بل وتثويريا – ذلك بما تمتلكه من افكار جديدة ومن رؤى ومن اساليب حديثة في التنظيم الخ . مهمة الحزب السياسي في العالم الثالث مهمة فكرية واجتماعية وليست سياسية فقط. الحزب الذي يسعى للكسب السياسي فقط ولا يسعى للتغيير هو حزب انتهازي لن ينجز شيئا ولو كان له مليون عضو. والدليل امامنا تجربة الانقاذ الفاشلة وقبلها تجربة حزب الأمة الفاشلة هي الأخرى.
اذن المهمة التنويرية مقدمة عننا على السلطة؛ كما ان مفهوم السلطة نفسه جدلي. نحن مثلا نؤمن بسلطة تضع نفسها في خدمة الناس ولا تعتقل تطورهم وانما تفتح امامهم آفاق التطور . هل هكذا سلطة ممكنة ؟ هذا ما نؤمن به ونسعى له؛ وهذا هو سعى البشرية منذ بدايتها للخروج من سلطة العنف والقهر المادي والمعنوي للسلطة الرشيدة المحكومة بقيم الخدمة العامة والانسانية الرحبة.
عادل عبد العاطي
3/7/2016
اشارات مرجعية:
[i] بوست للاستاذ عثمان عجبين في موقع (فيسبوك) للتواصل الإجتماعي – 24 يونيو 2016 – منشور على صفحة الاستاذ عجبين بذلك الموقع
[ii] المرجع السابق