محمد ادم فاشر
أن كثير من أهل السودان بدأوا في التهليل برفع العقوبات الأمريكية علي السودان وهم لا يعرفون وراء هذا الإجراء له تبعات يدفعه السودانيون والحكومة معا وان كان النصيب الأكبر للحكومة .
كان ينبغي علينا أن نتساءل لماذا كانت العقوبات في الاساس ولماذا رفعت؟ والشاهد أن هناك قضايا كل الأطراف لاتري من المناسب تسميتها باسمائها الحقيقية فهذا الرئيس الأمريكي ترامب لم يدخل البيت الأبيض إلا بسبب إعلان حربها علي الاسلام وتسميته بالإرهاب في إشارة إلي الإسلام وهناك جدل قانوني مازال مستمر في طريقة تعامله مع بعض الدول الإسلامية من بينها السودان والمهم في الأمر أن عداؤه للسودان ما كان خافيا وان كان بعض الأمريكان يعتقدون انه لا يعرف حتي موقعها بل كان يعتقد بأن السودان تقع بين افغنستان وايران لقد فاجأ السودانيين والحكومة معا بالتقارب مع النظام في الخرطوم بشكل دراماتيكي تجاهل موقف المئات من المنظمات الإنسانية التي وصت بالشدة علي ابقاء العقوبات وبل إضافتها والمعروف ان عدد أقل من هذه المنظمات كفيلة بصناعة القرار في الدول الغربية إذن ما هو السبب وراء هذا القرار المفاجئ للجميع حتي للأمريكان قبل غيرهم ؟ اذا كانت العقوبات فرضت سبب اتهام السودان لرعايته للإرهاب كان من باب اولي ازالة السودان من قائمة الإرهاب . والتفسير الواضح لذلك أن سبب رفع العقوبات ليس من بينها الأسباب التي فرضت من اجلها.
ومن ناحية أخري أن الملفات الخمس التي تم استناد عليها لرفع العقوبات في الواقع لم يحدث أي تغيير في موقف الحكومة السودانية وحتي التعاون الأمني ليس بشي جديد بدأته الحكومة من يوم أن لوح بوش الابن بالعصا الغليظة وقال من ليس معنا ضدنا . وهذا بالنظر الي الموقف إجمالا ان الحكومة الأمريكية لم تكن في حاجة الي السودان من الناحية الأمنية أكثر من عهدي بوش الابن و أباما عندما كانت القاعدة نشطة ومع ذلك كان يرون ضرورة ابقاء العقوبات ولذلك أن المبررات التي استندت اليها في رفع العقوبات لم تكن كافية لإقناع المؤسسات الأمريكية للتقارب مع السودان فما هي المبررات التي تمت بها لإقناع هذه المؤسسات لدرجة تجاوز أعراف السياسة الأمريكية في دور المنظمات الإنسانية والتي جزء من صناعة القرار بطريقة غير مباشرة .
وعلي كل متابع قد لا يجد الصعوبة في تحديد بالدقة الدوافع الأمريكية لهذا القرار وان كل المبررات التي استندت إليها في العلن لم تكن سوي تجميل القبيح ولكن ما تريدها إدارة ترامب من السودان
أولا
مفتاح قراءة الموقف يأتي من واقع الحال للحكومة السودانية ودبلوماسيتها التي وضعت امام امريكا و أوربا واسرائيل أن الحكومة السودانية ان الدولة فشلت بسبب هذا الحصار الاقتصادي والآن وصلت مرحلة انهيار الدولة بشكل كلي وتري انها كارثة في المنطقة الإقليمية وبل للعالم أجمع ولذلك يجب العمل علي تفادي الانهيار طالما لم يكن من مصلحة احد .
الصين(1 )
وتري الحكومة السودانية أمامها خياران لتفادي هذا الانهيار الأول والأفضل لها ، أن ترفع هذه العقوبات الاقتصادية في أسرع فرصة وممارسة الضغوط علي المعارضة المسلحة لوقف الحرب عبر التسوية السياسية . والخيار الآخر إطلاق يد الصينين وفق رؤيتهم في تعمير السودان بما في ذلك استخدام العمالة الصينية بالعدد الذي تحتاجه المستثمرين الصينين وهذا يعني لا تمانع وجود ملايين الصينين في الأراضي السودانية ومنها تكون قاعدة للصناعات الصينية و وتصبح الانطلاقة لوضع اليد لكل القارة البكرة .
وبجانب مخاوف الغربيين للأنشطة الصينية في أفريقيا هناك مخاوف اخري في المنطقة الإقليمية حاجتهم للسودان فيها سياسيا وجغرافيا لا غني عنها
ايران(2 )
الدول الخليجية تورطت في الحرب مع إيران في اليمن وأصبحت موقفهم محرجا للغاية بسبب ضعف قوتهم البشرية وأضافت إدارة ترامب بعدا جديدا في الحرب بإلغاء الاتفاقية النووية مع إيران التي تمت توقيعها بواسطة إدارة أباما هذا يعني عودة المواجه بين إيران وأمريكا وإسرائيل من ناحية اخري . واستمرار الحرب في اليمن أوجد ميدان مهما لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها دفعة واحدة ، بجانب الموقع الجغرافي للسودان مهم للغاية لاستهداف الإيراني لإسرائيل وأمن السعودية من البحر الحمراء .ولذلك ان دور السودان بالغ الأهمية لدي الخليجيين الذين يحاربون بالنيابة عن الأمريكان واسرائيل علي الارض . ووتري الاسرائيل لابد من التعاون السوداني في تأمين المعابر البرية والبحرية من الحركات الإرهابية. كما سعت الدبلوماسية الخليجية في إقناع إدارة ترامب بخلق وضعا مريحا للسودان لتتمكن من المساهمة في الدفاع عن الخليج و التي تتضمن المصالح الأمريكية النفطية .من المحال أن تقوم السودان بهذا الواجب مقابل لا شئ وسبقتها الدبلوماسية الإسرائيلية التي لم ترد لها كلمة في إدارة ترامب بمكافأة السودان بانصرافها من المحور الإيراني وقطع علاقتها مع الحماس .
.
(3 ) جنوب السودان
الأمريكيون يشعرون بعقدة الذنب فيما ال اليها الأوضاع في الجنوب بفشل الترتيبات السياسية لقيام دولة جديدة مغلقة بها تناقضات العرقية والعداوات أعمق من الجزء الذي انفصلت منها وان قرار الفصل لم يأت في الزمن المناسب وبل كان مبنيا علي دراسات غيرعملية لأن الفصل ما كان الحل المناسب للمشكلة السودانية بدليل ظلت الحروب لم تنته في أيا منهما والوضع بالتأكيد سوف يكون مازوما اذا انهارت دولة السودان. هذه القضايا مجملا جعلت الإدارة الأمريكية تعيد النظر في وضع السودان في انتظار الموت.
اذا كانت هذه الأسباب التي جعلت إدارة ترامب تعيد النظر في وضع السودان من العقوبات المفروضة عليها فما هي الآثار التي تترتب علي الحكومة السودانية .
لا أحد يعلم بوجه الدقة التزام الحكومة السودانية لدي الإدارة الأمريكية مقابل رفع العقوبات. ولكن الشئ المؤكد لابد أن يكون هناك مقابل فان مواد الإنشائية التي ذكرتها الإدارة الامريكية تمت صياغتها بالدقة المتناهية حتي لا تبدو كشروط لرفع العقوبات ولكنها كذلك وبل معها الإجراءات الجزائية في حالة التنصل
(1 )
فإن ألزام السودان في التعاون مع أمريكا تندرج تحتها كل مخاوف امريكا من ضمنها نشاط الصيني في أفريقيا عبر السودان وهذا يضع السودان في مواجهه مع الصين التي وقفت مع السودان في أصعب الظروف وبل علي ظهر السودان مديونية الصينية الهائلة بجانب المنح العسكرية والهبات التنموية ومواقف السياسية .
فإن وقوع في حضن امريكا أمام السودان خوض معارك قانونية وسياسية وأخلاقية مع الصين من المحال أن تكسب أيا منها فإن المطالبة بالديون الصينية التي دنت اجلها تجعل السودان في وضع اقتصادي أسوأ مما كان عليه تحت العقوبات الأمريكية. )
أن الدبلوماسية الخليجية التي وقفت خلف المطالبة برفع العقوبات كما صرحت بها الصحف الخليجية الي درجة التي نسبت كل الفضل عليها لا يمكن أن يكون هذا الجهد لله من دون أن تتأكد بأن السودان سوف يستمر في موقفها المؤيد والمساعدة والمشارك بجانبهما في الصراع الخليجي وحرب اليمن وهذا يؤكد حسم الموقف المتردد للسودان لصالح محور السعودي . وهذا الموقف تندرج تحت التزام السوداني بشرط محاربة الإرهاب ليس فقط من شروط رفع العقوبات بل استمراريتها وهذا يضع الحكومة السودانية في موقف لا يحسد لها أن أفضال دولة القطر للسودان أشياء لا يمكن انكارها لقد كانت العلاقة بينهما كاليتيم وكافله وبل تربطهم الفهم الإخواني من المحال أن تتم فك الارتباط بتلك البساطة لأن الجزء الإسلامي من النظام لا يمكن أن يقبل التضحية بالقطر في سبيل رفع العقوبات وان تطلب نهاية سلطة المؤتمر الوطني منذ وقت مبكر بدات تصريحات بعض افرادها بأن هناك شروط مهينة لرفع العقوبات لا يمكن قبولها ووضع حمدي صاحب المثلث الاحتجاج في صورة اخري برفضه التضحية بالصين مقابل الحضن الأمريكي فإن هذا التيار بالرغم من انخفاض صوتهم بسبب ارتباط الفشل ومصائب السودان بهم إلا أنهم من المحال السكوت علي السلخ حتي العظم لأن العملية لا تعدو كونها أقل من انقلاب مكشوف .
لقد ذكرت الإدارة الأمريكية مسالة تسليم المجرمين المطلوبين للمحكمة الجنايات الدولية جاءت العبارة في الديباجة ليس كشرط لرفع العقوبات ولا شرطا لاستمرار رفع العقوبات بل تمت صياغة هذه العبارة بالدقة للتلويح علي رأس النظام في حالة إخلال بالشروط التي تمت الاتفاق عليها لأن من الصعب إقناع المجتمع الدولي بعودة العقوبات في حالة رفعها فإن عصا المحكمة الجنايات الدولية أثبت نجاحه وفعاليته من قبل .
اما الثمن الذي يدفعه السودانيون استهلاك ابنائهم باستمرار في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل كمرتزقة بمعني الكلمة وبمعنى آخر استمرار الفقر وبيع الأراضي السودانية للعرب بدعوي الاستثمار يثمن بخس. وحصول النظام الترخيص للتنكيل بخصومه وهذا يعني استمرار الحروب وكل أسباب الفقر ولذلك أن رفع العقوبات لا يعني غير توظيف جغرافية السودان وحكومته في الصراعات الإقليمية والدولية .