عبدالحميد موسى
لم يفاجئني إنتخاب إمام الأنصارالصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي لقيادة قوى نداء السودان في بيان ختام إجتماعها المنعقد منذ 13-17 مارس 2018 في باريس، وكونه عضواً يستأهل أي موقع في الهيكل التنظيمي لنداء السودان، لكن الذي فاجئني هو ما توصل إليه الإجتماع. أود أن أشرح في هذا المقال بطريقة مبسطة حول أسباب إستغرابي على محتوى البيان” الإعلان الدستوري”. مع العلم، أن منظومة قوى نداء السودان تُعرَّف نفسها كجسم سياسي مدني وتعمل على تفكيك دولة الحزب الواحد لبناء دولة المواطنة حسب إعلانها التأسيسي في 2014 مروراً ببان إجتماعها الختامي في باريس 2016 و وصولاً إلى الإعلان الدستوري، باريس 17 مارس 2018.
إن الإعلان الدستوري 17 مارس 2018 يلزم القوى الثورية المسلحة المنضوية تحت لواء نداء السودان (بأرضاً سلاح) لصالح النظام الذي يستخدم كل قوتها العسكرية والإستخباراتية والمالية وقوتها المدنية ذات التابع الإثني، الإيديولوجي والديني بما في ذلك سلاح الإغتصاب ومنع الغذاء والدواء لإبادة مئات الآف من المدنيين في النيل الأزرق وجبال النوبة/ج كردفان وإقليم دارفور نحو أكثر من 14 عاماً، بالإضافة على الإستمرار في إغراق وإفقاروتشريد النوبة في شمال السودان، وتهميش إقليم شرق السودان وأبناء الهامش عموماً حيث أقاموا في أي جزء من وطن أجدادهم كوسيلة لفرض هيمنة أحادية (عربية إسلامية) إعداماً للتعدد الثقافي والإثني واللغوي والديني في السودان.
إجتماع نداء السودان الأخير- يجرد ضحايا الإبادة الجماعية من كافة أدوات الدفاع عن النفس مثلما تفعل القرارات الحكومية لجمع السلاح لصالح مليشيات الجنجويد المرتزقة المزينة بإسم حرس الحدود و(الدعم السريع) للتأكد من خلو الأبرياء من جميع أدوات الدفاع لأنفسهم في ظل صمت المجتمع الدولي التام بحيث يبقي مصيرملايين السودانيين المشردين في منفاهم الإجباري بمعسكرات اللاجئين بدول الجوار ومخيمات النازحين داخلياً مجهولاً. حين نقرأ في سطور نص الإعلان الدستوري لا سيما الفقرة رقم “2” نجد أنها القاعدة القانونية الأساسية لإلزام سلاح الثورة بالصمت وإسقاط حق المقاومة قانوناً. إما باقي الفقرات من رقم”1 -6″ وردت تمهيداً وتدريجاً وختاماً لتثبيت رقم 2 وأن باقي الفقرات المرقمة بالحروف الأبجدية تعتبر كلها مكررة في إجتماعات وبيانات سابقة ليس لها أي مردود فعلي على الشارع السوداني ما عدا الفقرة الأخيرة “د” التي لم تأتي نتائجها بعد رغم أنها شبه محسومة لأنها مبنية على الفقرة “2” من الإعلان الدستوري. وليس من السهل لإنصاف الضحايا بمثل كلمات ذهاب النظام على شاكلة قوى الإجماع الوطني خاصة الأحزاب التي تشارك في حكومة الوثبة لخدمة أفراد قادتها مع التحية والتقدير لقادة الأحزاب أعضاء قوى الإجماع الوطني مثل المؤتمر السوداني والحزب الشيوعي وإلخ… الذين هم داخل معتقلات نظام الدكتاتور عمر البشير الذي يقول ” الزارعنا غير الله اليجي يقلعنا”. راجع الإعلان الدستوري والبيان الختامي للإجتماع على الرابط: https://umma.org/2018/03/18/البيان-الختامي-قوى-نداء-السودان/https://umma.org/2018/03/18/البيان-الختامي-قوى-نداء-السودان/
إن الفقرة رقم “2” الذي يُسقط حق المقامة بالسلاح ينطلق من قاعدة ” إنتفاضة شعبية على ُسنة 1964 و1985 او حوار بإستحقاقاته على ُسنة كوديسا جنوب افريقيا 1992″ لا يمكن أن تعالج قضايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الجاري في السودان الآن إلاَّ قليلاً من القضايا المعيشية لبعض من الشعب السوداني. إن الإنتفاضات المذكورة أعلاها لم تعالج جزور المشكلة السودانية ونظام حكم السودان على أساس الكفاءة الوطنية والمهنية والتنوع الثقافي والإثني واللغوي والديني والتوزيع العادل للسلطة والثروة بين كافة أقاليم السودان، ما أدى إلى تطوير حركة الأنانيا 1 و وصولاً إلى تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق سعياً إلى دولة علمانية ديموقراطية تحضن السودانيين جميعا لكن عنصريو المركز تآمروا على فصل جنوب السودان وإبقاء أساس المشكلة السودانية في حالها وإستمروا في محاولة معالجة المشكلة بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي كما هو الحال في أقاليم دار فور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
إذاً، إن إنتفاضتي 1964 و1985 كانتا شعبيتان صادقتان إلا أنها قامت على أكتاف إنسان الهامش لصالح نخبة المركز التي تسن القوانيين وفق مصالح قوميات وشخصيات معينة وخدمهم المستفيدون من الإمتيازات الإدارية والإقتصادية والإجتماعية التي يجنوها على حساب شعوب السودان من أجل السيطرة على مفاصل الدولة، ولم يكن يوماً في أجندتهم تسوية قضية جنوب السودان بطريقة تحقق طموحات وتطلعات شعوب الجنوب لكي يكونوا جزء من وحدة السودان ومكتسباته. وبالـتأكيد أن الإمام الصادق المهدي ترأس حكومتي السودان مرتين، الأولى بعد سنتين من إنتفاضة 1964 والثانية بعد سنة من إنتفاضة 1985 التي أسقطت حكم الدكتاتور نميري ولم يضع قواعد أساسية لمعالجة المشكلة السودانية. لذلك، يعتقد معظم السودانيين أنه (الصادق المهدي) كان ولا يزال جزءاً من المركز الذي يميز السودانيين عبيداً وسياداً وهذا واضح من بعض تصريحاته لا سيما في حواره مع الصحفية عبير المجمر بأنه يمثل مسلمي العرب في السودان حيث هاجم الدكتور منصور خالد على تبنيه رؤية السودان الجديد في حل مشاكل شعوب السودان وقضايا وطنهم.
ولما نتحدث عن حوار على سُنة كوديسا جنوب افريقيا 1992 ينبغي أن ندرك بأن الحوار الأساسي كان بين (قادة وشعوب جنوب أفريقيا، نيلسون مانديلا أصحاب الأرض) و(المستعمرالإنجليزي البريطاني) حيث تختلف نوعية المشكلة وأسبابها وزمانها وصناع المشكلة في جنوب أفريقيا والتي نحن نعيشها هنا في السودان تحت القنابل الكيميائية من السلاح الجوى السوداني على رؤوس الأبرياء من الشعب السوداني المصنف إثنياً أنهم أفارقة غربا، جنوبا وشرقاً ناهيك عن العنصرية اليومية التي يعيشها أبناء وبنات الهامش داخل الدوائر الحكومية وفي كافة المؤسسات الرسمية والخاصة داخل وطنهم. يبدو جلياً إن البيان الختامي والإعلان الدستوري يتناقض مع بعض من فقراته، كما جاء في الفقرة الثالثة من البيان “” إذ أنّ النظام لم يترك بابا لخيار وطنى سلمى متفق عليه إلا واوصده، وإلخ””. يجب أن نقول، ما دام النظام يتخذ القتل منهجاً في حالتي المواجهة المسلحة أو الإنتفاضة الشعبية على شاكلة ديسمبر 2013 لللإستمرار في الحكم ليس من المبرر أن نجمد كفاحنا الثوري الذي يسعى من أجل سودان جديد يعيشوا فيه كافة السودانيين في درجة واحدة من المواطنة في الحقوق والواجبات.
إن الفشل الذي أعلنه قوى نداء السودان في إجتماعها له مبرراته، لأن الجبهة الثورية السودانية منقسمة في حد ذاتها بسبب تمسك رئيسها السابق السيد مالك عقارالذي إنتهك القاعدة التوافقية التي تحكم إدارة الجبهة الثورية السودانية ونفس القائد الذي عزله وأمينه العام السيد ياسرعرمان مؤسسات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال حيث يتعامل معه منظومة نداء السودان كأنه يمثل الحركة بالرغم من أن الآلية الأفريقية رفيعة المستوى والوسطاء الدوليين يعاملونه كشخص معزول من قيادة الحركة بحيث لم يستطيع المشاركة في عملية السلام للمنطقتين بإسم الحركة الشعبية. وأن مقاطعة الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة القائد/ عبدالعزيز الحلو ذات التأييد الجماهيري الواسع فضلاً عن الثقل العسكري والرؤيا الواضحة الثابتة لإحلال السلام في السودان إجتماع قوى نداء السودان كان واحداً من الأسباب الكفيلة بالفشل، لأن صفقة الأمين العام السابق للحركة ياسر عرمان ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي لتصفية الجيش الشعبي كانت بالضرورة ستؤدي إلى مثل هذه النتائج لنداء السودان. حين نسمع من الأمين العام السابق في فترات مبكرة يقول لبعض من أعضاء الحركة بالداخل “هل إنتو جاهزين لو جيناكم جوة؟” وحين يستعد السيد مالك عقار بمنازلة النظام في إنتخابات 2020 وحين يعد الإمام النظام وأنصاره بمفردات ” سنقاوم أي جهة تحاول إسقاط النظام بالقوة” لا يمكن أن نتوقع منهم إسقاط النظام، لا سيما أن إمام الأنصار يؤكد قربه للنظام أكثرمن المقاومة التي تنادي بالحرية والعدالة والمساواة لكافة السودانيين. وبناءأ على المعطيات أعلاها فإني أتساءل، إلى أين يقود رُبَّان نداء الوطن قادة نداء السودان؟
نتحدث قليلاً حول لجنة المساعي الحميدة التي أعلنها البيان الختامي وجدواها! وأعتقد مبدئياً أن التدخل في شؤون تنظيم بحجم الحركة الشعبية لتحرير السودان يعتبر خطئاً ومهيناً لمؤسسات الحركة وعضويتها وجماهيرها رغم ذلك، كان من الأحسن تكوين لجنة مساعي حميدة أثناء إستقالة القائد عبدالعزيز الحلو، لكن الآن إنتهت الأزمة الإدارية للحركة الشعبية بعزل ثلاثة قيادات في الحركة هم الرئيس والأمين العام وقائد الجبهة الثانية للحركة عبر مؤسسات الحركة وتم إنتخاب قيادة جديدة لقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بتأييد منقطع النظير من جماهير وأعضاء الحركة وكافة مؤسساتها التنفيذية والتشريعية. في الختام، أنا أنصح الإخوة، قادة الثورة في إقليم دارفوربإحياء الجبهة الثورية السودانية و(إصلاح جدي وشامل) للجبهة الداخلية لإقليم دارفورذلك أفضل السبل لتحقيق سلام شامل وعادل في السودان، وإلاَّ، طريق نداء السودان يشبه طريق نداء الوطن الذي يضيع ودائعه في مخازن النظام بالخرطوم.
الأربعاء، 21 مارس، 2018