من قتل الصحفي محمد طه محمد أحمد؟
زوجة أحد المتهمين:لم يكن هناك دليل كافي على إدانة زوجي بقتل الصحفي والقضية كانت عُنصرية بإمتياز
الخُرطوم _صوت الهامش
إهتزت الخُرطوم يوم الخامس من سبتمبر من العام 2006،على وقع جريمة مأساوية راح ضحيتها الصحفي المثير للجدل “محمد طه محمد أحمد”،ناشر ورئيس تحرير صحيفة “الوفاق”،عندما خطفه مجهولين من منزله بضاحية “كوبر” في الخرطوم والعثور عليه مقتولاً مفصول الرأس جنوبي الخُرطوم،بعد مرور نحو 6 أيام من إختفائه.
هذه الجريمة المأساوية وضعت الأجهزة الشُرطية أمام تحدي كبير للكشف عن ملابسات الحادث الغامض،والتكثيف من التحريات لحل لغز هذه الجريمة ومعرفة الدوافع التي قادت الجُناة لإرتكابها،خاصة وأن الصحفي القتيل عُرف بإثارته للجدل حينها عبر كتاباته الناقدة لنظام الجبهة الإسلامية الذي كان في عنفوان حكمه حيث يعمد منسوبي الأجهزة الأمنية بالتنكيل بالمعارضين عبر اعتقالهم واخفائهم قسرياً.
إرتكاب تجاوزات
هذه الحادثة وفقاً لشهادات أسر من تم إتهامهم في القضية صاحبتها إرتكاب تجاوزات وإنتهاكات واسعة طالت المتهمين تمثلت في تعذيبهم وإبتزاز أسرهم بغرض نزع إعترافات عنوة منهم،والشاهد في الأمر أن أغلب من تم إتهامهم بإرتكاب هذه الجريمة كانوا من إقليم دارفور المضطرب حينها وكانت الالة العسكرية تحصد في مواطنين الإقليم بينما الإستخبارات العسكرية تعادي كل من له صلة بالإقليم عبر تقارير تُشير لتورطهم في دعم وتأييد قوى الكفاح المسلح التي كانت تنازع النظام الحاكم في الإقليم عسكرياً.
شاهد على المحاكمة:أجزم أن من تم اعدامهم لا علاقه لهم بمقتل “محمد طه”
حملة إعتقالات
صاحبت تلك الأجواء حملة إعتقالات وتوقيف واسع طال عدد من الأشخاص،بينهم مواطنين عاديين ورموز مجتمع وصحفيين كانوا على علاقة لصيقة بالقتيل محمد طه محمد أحمد،ليصل عدد المتهمين لنحو 218 متهماً على ذمة التحقيق وانحصر الاتهام فى 19 شخص.
وبرأت محكمة جنايات بحرى وسط برئاسة القاضي اسامة عثمان محمد وبعد أكثر من 50 جلسة ساحة 9 من المتهمين بينهم امرأتان لضعف الأدلة وحكمت بالاعدام على عشرة من المتهمين بيد أن المحكمة العليا عدلت الحكم على أحد المدانين وهو الطيب عبد العزيز اسحاق وحكمت عليه بالسجن أربعة سنوات.
و في 13 أبريل 2009م ووسط اجراءات أمنية مشددة نفذت سلطات السجن الاتحادى بكوبر حكم الإعدام فى حق المدانين التسع وهم 1/اسحق محمد السنوسي 2/ مصطفى ادم 3/حسن ادم 4/ ادم ابراهيم 5/ محمد خير 6/ جمال الدين عيسى 7/ عبدالمجيد على عبد المجيد 8 /صابر حسن 9 / عبد الحي عمر.
تباين الأراء
تباينت الأراء حول هذه الجريمة غير أن الرأي السائد أن الشرطة في ذلك الوقت إرتكبت إنتهاكات واسعة بغرض إنتزاع إعترافات من قبل المتهمين وإرغامهم على الإقرار بالتُهم،حيث لعبت إدارة المباحث التي كان يقودها اللواء عابدين الطاهر دورا بارزاً في هذه القضية .
حيث قال أحد المتهمين في القضية تم سجنه لنحو عام كامل وأفرج عنه لعدم ثبوت أي إتهام ضده ، وقال ل”صوت الهامش” مفضلا حجب إسمه أن عابدين الطاهر مدير المباحث حينها إرتكب إنتهاكات واسعة، مبينا أنه أخضع عدد من المتهمين عبر جنوده وضباطه لتعذيب قاسي بغرض نزع اعترافات منهم .
وأضاف أنه تعرص للتعذيب والتنكيل لمدة تزيد عن العام ، وتابع قائلا” اتهمنا زورا في هذه القضية وتعرضنا لتعذيب قاسي من قبل عابدين الطاهر وزمرته ،بجانب تعرضنا لابتزازات عنصرية ونحن أبرياء” .
وإتهم النظام السابق بالتورط في مقتل محمد طه محمد أحمد وتلفيق التهمة في أبناء إقليم دارفور مستغلا حالة الطوارئ التي كانت سائدة في الإقليم ومعاداة النظام البائد لكل من له صلة بدارفور عبر تقارير عنصرية كاذبة،وكشف عن خطوات سيتخذونها غضون الايام المقبلة لمقاضاة عابدين الطاهر وعدد من رموز الجبهة الاسلامية حينها.
قضية شائكة
ويقول المحامي تبن عبدالله سليمان عضو هيئة الدفاع عن بعض المتهمين في هذه القضية ل”صوت الهامش” أن الحادثة من القضايا الجنائية الشائكة والمعقدة جدا التي ما زالت حاضرة في أذهانهم واضاف “قد تولينا هيئة الدفاع كمجموعة من المحامين ذلك لكثرة المتهمين ووقائع البلاغ”.
وأشار تبن أن الطرف التاني (الإتهام) مثله مجموعة كبيرة من المحامين. حيث تم تحويل الدعوى الجنائية إلى محكمة جنايات بحري وسط حيث الإختصاص وجرت المحاكمة أمامها.. والغريب في الأمر كان عدد المتهمين كثير جدا قرابة (60) متهم إلى أن جلهم تمت براءتهم وشطبت الإجراءات في مواجهتهم بعد بذل مجهودات قانونية جبارة من هيئة الدفاع وتبقى لعدد (9) متهمين وبعد مواصلة جلسات طويلة إصدرت المحكمة حكمها بإدانة المتهمين ال (9) بالإعدام قصاصا للأسف.
ووصف تبن قرار المحكمة الذي قضى بإعدام المتهمين بالقرار الغريب والمفاجئ لجهة أنهم يرون أن ما قدموه من “الدفوع والبينات” كانت كافية لتدحض التهم محل الإتهام وبالتالي براءتهم من الجرائم المنسوبة إليهم.
ظُلم وانتهاكات
أسر ضحايا الحادثة ترى أن المتهمين لم تتوفر لهم أي مُحاكمة عادلة،وأن الاعترافات التي إستندت عليها المحكمة أنتزعت منهم بالاكراه .
وقالت عائشة محمد زوجة المرحوم ادم إبراهيم ل”صوت الهامش” أن النظام السابق لفق للمتهمين تهم لجهة أنهم من أبناء دارفور وهم أبرياء،وأكدت عائشة أنها ليست لديها تفاصيل ما اذا كان تعرض المتهمين للتعذيب من قبل الشرطة .
وبينت أن النيابة كانت تشرف على ملف المتهمين، وكشفت عن أنها تعرضت لانتهاكات جسيمة وإبتزاز من قبل الاجهزة الامنية . وقالت “انا شخصياً تعرضت لانتهاكات وتم اعتقالي وانا حامل وأطفالي صغار وبقية في المعتقل لاربعين يوماً،وأخرجت من الزنزانة بيوم ووضعت طفلي” وأردفت”كنت كرت ضغط على زوجي”.
وعن الاشخاص الذين وشو بالمتهمين، قالت بأنها ليست لديها علم بالاشخاص الذين وشو بالمتهمين وارشاد الشرطة عنهم.
وكشفت عائشة عن أنهم سيقومون بفتح ملف القضية مجدداً،واشارت على أنهم لديهم اتصالات مع بعض المحامين لتسليط الضوء على القضية مجدداً،وزادت”ان زوجة القتيل قالت بانها تعرف الشخص الذي استدرج زوجها وحتى صعوده للعربة التي أقلته وهو صاحبه وعندما عرض المتهمين عليها قالت بأن ذلك الشخص ليس من بينهم”.
وناشدت السلطات بضرورة فتح الملف والاتيان بالادلة،وبينت أن المحاكمة أستندت على الانتهاكات التي تعرض لها المتهمين المتمثلة في التهديد بالاغتصاب والتجويع،وليس لديهم اي دليل مادي او جنائي ، وتابعت قائلة”كل الذين اتهموا في هذه الحادثة اعتقلت أسرهم وأطفالهم،الاطفال ذنبهم شنو اذا بعرفو الزول دة لو مجرم الاطفال ذنبهم شنو؟يدخلوهم الحراسات ويجوعوهم وينتهكوا حقوقهم”.
تفاصيل مأساوية
وسرد الناشط عبدالمنعم طولمان تفاصيل مأساوية عن هذه القضية،وقال بأنها تعد من اسوء الجرائم العنصريه التي قامت بها الانقاذ بغرض تصفية حسابات سياسية من ابناء دارفور بتهمة مساندتهم الحركات المسلحة،وقال” أن هذه الجريمة كلما اتذكرها تعود بي الذاكرة الي عهد الوحشية والظلم والاستبداد الذي لحق بالشعب على امتداد السودان وداخل العاصمه الخرطوم”.
وذكر عبر صفحته في “الفيس بوك” تم اعتقال هولاء التسع اشخاص من منازلهم في العام 2006 بعد موت الصحفي محمد طه محمد احمد وارادت الانقاذ عبره ان يستهدف ابناء دارفور النشطين والمثقفين باعتبارهم سند للمعارضة “حركات الكفاح المسلح” وقال “اتذكر اثنين منهم ادم ابراهيم واستاذ جمال من افضل اعيان الحي وكانو جيراننا
ادم ابراهيم كان يعمل في السفاره الامريكية واستاذ جمال من اميز وافهم رجال الحي وانبلهم اخلاقا وكرما”.
ولفت طولمان أن هؤلاء جميعهم لا يعرفون الصحفي محمد طه وليس لهم ادني علاقة به والذين اقتادوا محمد طه وقتلوه حسب اقوال اسرته وابنائه ولا واحد من هولاء التسع يشبه المجرمين الذين اختطفوا محمد طه وتابع”الاولاد قالو نحن شفنا اشكال الناس الساقو ابونا وديل ما منهم ولا بيشبهوهم نهائي عشان كده الكيزان رفضو يجيبوا الولد عشان يشهد”.
وأشار أنه للاسف كان هذا الملف امني بامتياز استخدمت فيه الانقاذ كل الوسائل اللاخلاقيه في التعذيب والضرب والاهانه لرسم المسرحية الهزيله تحت الضغط والويل من العزاب للاعتراف وزاد بقوله”هل عارفين انو تم اعتقال كل زوجات السبع اشخاص وزوجة استاذ ادم كانت حامل في شهرها الثامن وتم تعزيبها ومنعوها من الاكل والشراب وهي في المعتقل عشان يكسروا شوكة زوجها ويعترف بالجريمة واصغر ولد الما كان متزوج اسمو صابر جابو ليه امه عشان يعزبوها قدامه عشان يعترف تخيل والله هذا ما حصل..قلعو ليهم اضافر الارجل والايدي قطعوهم في ظهورهم”.
ويواصل منعم في سرد روايته”اتذكر في شهر اكتوبر من العام 2009 كنا معتقلين في معتقل دبك وجابونا راجعين كوبر وهم كانو جنبنا في قسم الاعدامات ومره كنت مريض ناس الامن عايزين يودوني الدكتور قابلت زول نحيف في الباب مكلبش في رجلينه ويدينه للوراء وانا كنت مكلبش في اليدين ناداني يا عبدالمنعم ابو طويله،بصوت عالي شفتو لكن ما عرفتوا من التشويه الحصل ليه في وشو وجسموا حتي قربت جنبو وقلت ليه استاذ جمال قال نعم كبستو ونحن الاتنين مكلبشين بالحديد وناس الامن وقعوا فينا دق يلا اتحرك يا زول ،امشي من الزول ده تعرفو من وين؟ لكن صمدنا الاثنين فتره قصيره تحت الردم والعكاكيز قال لي كلام مهم جدا يا اخوي منعم نحن كده كده ميتين والوضع النحن قاعدين فيه احسن الموت والله والله احسن الموت ولكن العذاب ده كلو عشان القضية ،كل تحرياتنا عن الحركات ،وقضية دارفور وعلاقتنا بالمنظمات وقالي ناس الامن قالو ليهم نحن نعدمكم عشان تكونو عظة وعبره لبقيه اهلكم مافي زول يفكر يدعم قضية دارفور ولا يقيف مع الحركات”.
وأضاف”أستاذ جمال وشو كان جروح واثار ضرب واذانه فيه دم ويده الايسر وارمة ولسه مكلبش عندو اسنان اتنين مافيشات منظر اذا شاهدته لشخص كان تعرفه من زمان ينفطر قلبك ما شفته لمن طلعنا من المعتقل في العام 2010 سمعنا انهم اعدموهم جميعا لهم الرحمة والمغفرة
تركو زوجاتهم ارامل واولادهم يتامى،يننا وبين الانقاذ دماء ودموع لن تتنسى بطول الزمان ما دمنا حيين”.
وقائع المحکمة
متهم:تعرضنا لتعذيب قاسي من قبل الشرطة وسنقاضي عابدين الطاهر
وكشف شاهد على محاكمة المتهمين بقتل الصحفي محمد طه محمد أحمد “م،ع،أ” تفاصيل مهمة في حيثيات القضية . وقال أن القبض على المتهمين تم بناء على معلومة وردت من الشرطة الامنية،وتشير تلك المعلومة أن هناك شخص أحضر لمنزل أحد الشيوخ في منطقة “الكُرمتة” بضاحية مايو جنوبي الخرطوم وتم قتله داخل المنزل وعلى ضو تلك المعلومات قامت المباحث بمداهمة المنزل.
مشيراً إلى أنه أثناء تلك المداهمة اعتقل نحو 6 أشخاص بينهم زوجة وإبنة صاحب المنزل،مبينا أن المتهمين تم اخضاعهم للتحقيق وارشدو لاربعة أشخاص اخرون حسب وقائع الشرطة بينهم موظف في السفارة الأمريكية.
وأكد أن الشرطة قدمت قضيتها بان القتيل تم استدراجه من منزله عبر أحد المتهم حسب زعمها و الذي كان يدير مكتبة في منطقة مايو ويتعامل مع الصحيفة التي يمتلكها محمد طه أحمد في اعلانات المحاكم ومن هنا نشاءت العلاقة بينهما،وبين أن الشرطة قالت بأن القتيل تم إستدراجه لعربة وبداخلها 3 أشخاص.
وأضاف الشاهد أنه حسب وقائع الشُرطة “تحركت العربات لمنطقة الكرمتة مسرح الحادث وهو منزل (..) وهو شيخ معروف في المنطقة ومعاهو مساعد اخر وهناك عقدت للمتهم محكمة برئاسة المتهمين ال9 وأوقعت عليه عقوبة الاعدام ذبحا ليتم تنفيذ حكم الاعدام داخل المنزل،ونقل جثمانه ورميه في منطقة قرب الاحتياطي المركزي وبحسب اجراءات المحكمة بان المتهمين قصدو ان يقطعوا راسه وجعله في ضهره ووضعه عكس القبلة”.
وأشار أنه ثناء سير المحاكمة قدمت الشرطة اعترافات للمتهمين وقالو بان العملية العملية باركها أحد القيادات البارزة في حزب المؤتمر الشعبي وان المتهمين اخدو فكرة المحكمة من سلوك الجماعات الارهابية كتنظيم القاعدة.
وأوضح أن واحدة من الاشكاليات التي واجهت الاتهام ان محاميي الدفاع احذو القضية باعتبارها قضية سياسية وليست جنائية ولم يقدموا أدلة كافية تضحت قضية الاتهام التي كانت نفسها فطيرة وغير مقنعة واعتمدت على الاعترافات القضائية للمتهمين الذين تراجعوا عنها امام المحكة وقالوا بانهم ادلو بها تحت التعذيب من قبل المحققيين.
وجزم المتحدث بأنه لم يكن هناك دليل كافي لإدانة المتهمين لكن الدفاع لم يقدم ادلة كافية لتبراءة موكليهم،ولم يقدموا شهود يؤكدوا أن المتهمين لم يكونو موجودين في منطقة الحادث.
وفي سؤال حول ما إذا كان النظام السابق تدخل لإدانة المتهمين وتلفيق التهمة على المتهمين أجاب قائلاً “لم يمكن هناك تدخل للنظام السابق بصورة واضحة فالقضية قدمت كإجراءات تحري عادية منها الاعترافات القضائية والمحكمة قامت بصورة عادية ما كان في شئ ملفت”.
وتابع “حتى السبب الذي إدعت الشرطة أنه وراء تنفيذ الجريمة وهو مقال صحفي في حين أن المتهمين ال9 فيهم 4 لا يجيدون القراءة والكتابة ولا علاقة لهم بالقراءة والكتابة”.
ولفت أن القضية كانت من القضايا المعقدة بحكم ان محمد طه كان لديه اعداء كثر جداً وان الشرطة كونت فرق مختلفة بناء علي تلك العدوات،من بينها فريق اتجه للتحقيق مع جماعة انصار السنة والقي القبض على عبد الحي يوسف والتحقيق معه علي خلفية مقال “الغرزي” وهو مقال يسب الرسول واتهموا محمد طه بالتشييع و هاجموا الصحيفة وحاولو حرقها ودونوا بلاغان في مواجهتها.
بجانب فريق اخر تحري في خلافاته السياسية مع المؤتمر الشعبي ومحاولة قتله بواسطة نجل الترابي محمد عمر الذي دهسه بسيارة من قبل،وفريق تحرى في علاقاته العادية وسط الصحفيين،ًوفريق رابع تحرى في خلافاته مع أبناء دارفور علي خلفية مقال نشر في الصحيفة كتبه الكاتب احمد ادم وان رابطة ابناء أبناء دارفور اعترضت على المقال وحاولو التهجم عليه في الصحيفة.
وخلص الشاهد في إفاداته أن من تم إعدامهم لا علاقة لهم بجريمة القتل وأن الجريمة تم تلفيقها في مواجهتهم الا ان الدفاع عنهم لم يقدم أدلة كافية لتبراءتهم.