قراءات افريقية
أقيمت الاحتفالات في جميع أنحاء إريتريا يوم 24 من مايو الثلاثاء الماضي تكريما لمرور 25 عاما لاستقلال البلاد، غير أن هناك العديد من نشطاء حقوق الإنسان يتساءلون عن مدعاة الاحتفال, مشيرين إلى أن البلاد ما زال يشهد حكما غير عادل من قبل نظامه القمعي، مما تسبب في استمرار محاولة فرار آلاف المواطنين من بلادهم إلى أوروبا.
في الفترة ما قبل يوم الثلاثاء، هناك تطواف بشعلة الاستقلال في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى ما تم تنظيمه من تجمعات الموسيقي والرقص وعروض الألعاب النارية. ومع كل ذلك, فقد أبي بعض الإرتيريين للمشاركة في فعالية تلك الاحتفالات.
يقول ميرون إستيفينوس، مدير المبادرة الإرتيرية غير الربحية لحقوق الإنسان لإذاعة فرنسا الدولية: “من الصعب بالنسبة لي أن أفكر في ذلك ]…[ لأن الأرض تحررت، ولكن الشعب لم يتحرر”, وأضاف: “سأحتفل باليوم الذي يتحرّر فيه الشعب، اليوم الذي نحصل فيه على إريتريا الديمقراطية، اليوم الذي نحصل فيه على دستور، اليوم الذي نحصل فيه على انتخابات – ومن ثم يكون لدينا شيء يدعو للاحتفال.”
ولجرّ العجلة إلى الوراء؛ قبل 25 سنة الماضية, سارت جبهة تحرير الشعب الإرتيري إلى أسمرة، وأجبرت القوات الإثيوبية – التي كانت تقاتل لمدة 30 سنة – لتتسلل وهي تخرج من المدينة. فالمستضعفون انتصروا أخيرا وهزموا جيشا تموله أمريكا وروسيا لعقود.
بعد عامين أجري استفتاء أكّد في النهاية استقلال البلاد. وفي عام 1994 تحولت جبهة تحرير الشعب إلى الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة. ومنذ ذلك الحين, استولت على السلطة وحولّت إريتريا – حسب عدة تقارير – إلى إحدى الدول الأكثر عزلة في العالم، مبدّدة آمال مواطنيها للحرية والتنمية.
في احتفالات الأسبوع الماضي وخاصة في العاصمة أسمرة، أعاد الناس ذاكرة تأريخية أو بالأحرى لحظات مهمة من حرب البلاد للاستقلال من إثيوبيا. فقد خاضت عشرات الآلاف من النساء الإرتيريات جنبا إلى جنب مع الرجال في الحرب من أجل الاستقلال، مما جعلهن يشكلن أكثر من ربع القوات القتالية للجيش الإرتيري بحلول نهاية الحرب. وعندما انضمت النساء للجيش، تم قص شعرهن الطويل إلى طراز إفريقي.
ما الذي يدعو للاحتفال؟
في التسعينات, كان هناك تفاؤل محلي ودولي في أن مستقبل إريتريا مشرق, وذلك بالنظر إلى ما تملكه جبهة التحرير بمساعدة الشعب من الانضباط والإنجازات التي قد تساعد في بناء دولة قوية وتقديم خدمات وطنية متطورة كغيرها تحت الحكومة الإرتيرية الجديدة. ولكن الدمار الذي سببته عقود من النضال من أجل التحرر، ضاعف في التسعينات من صراعات البلاد مع جيرانها مما قوضت رؤية الدولة لتحقيق التقدم.
غيَّر أن اندلاع النزاع اللاحق من أجل الحدود في عام 1998 بين إثيوبيا وإريتريا المستقلة جلب مزيدا من الدمار إلى مناطق الحدود المشتركة بين البلدين المتضررة من القتال. وساهم في تحول إريتريا إلى دولة عسكرية مستعدة للقتال في أي وقت لتصدى العدوان من دول الجيران. وبما أن مشاكل الحدود لا تزال قائمة دون حل، فعلى الإرتيريين أن يبقوا في الخدمة الوطنية والعسكرية في حالة تكرار العدوان الإثيوبي. وهكذا استغلّت الحكومة – وما زالت – هذا الشعور بالتهديد المستمر لإضفاء الشرعية وفرض القيود على حرية التعبير على الجمعيات والتنقلات والصحافة.
اليوم, يشكل الإرتيريون نسبة كبيرة من الذين يدخلون أوروبا من ليبيا عبر المعابر الخطيرة. فصارت من كونها دولة لا تتناقش أمورها نسبيا في أوروبا في خمس سنوات ماضية، إلى دولة في طليعة أذهان صناع القرار السياسي الدولي حول كيفية “وقف” تلك الحركات والتنقلات.
باستثناء كبار السن والأطفال، لا توجد وسيلة قانونية للمواطنين لمغادرة البلاد، بما يعني أن معظم المغادرين للبلاد يلجأون إلى خدمات مهربي البشر.
يعيش حاليا حوالي40000 من الإرتيريين في “إسرائيل”، حيث وصلوها عبر منطقة القرن الافريقي. غير أن ما هو أسوأ من هجرتهم هو كيف تعاملهم “إسرائيل” معاملة لاإنسانية, لأنها عادة تصنفهم كمهاجرين اقتصاديين بدلا من اللاجئين, مما تسبب بتوجيه انتقادات عديدة من قبل عدة منظمات بسبب تلك المعاملات.
من المهم أيضا الإشارة إلى أن النظام الإرتيري هو المستفيد الأكبر من التنقلات الهجرية على الرغم من كونه – حسب رأي محللين -“دكتاتوريا”، لأن الأرباح التي يكسبها النظام من هذه الهجرة تحوى أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي لإريتريا وهي تأتي من الأموال التي يرسلها الإرتيريون من الخارج إلى ذويهم وبلادهم.
ففي عام 2009 فرضت الأمم المتحدة حظر الأسلحة على إريتريا, وفرضت أيضا حظر السفر على عدد من قادتها.
وبعبارة أنجيلا كين، وكيل الأمين العام السابق للشؤون الإدارية في الأمم المتحدة:
“إريتريا دولة معزولة جدا ولكن هذا يعني أيضا أن حكومة معزولة جدا ويجب معالجتها” وتابعت حديثها: “يجب أن يكون هناك مزيد من التواصل مع الدولة”.
في السنوات القليلة الماضية، أكد النظام الإرتيري أنه سيخفض مدة الخدمة الوطنية، وسيزيد أجور المجندين الشهرية، مع صياغة دستور جديد. غير أن الوثيقة التي وضعت في عام 1997 لم تنفذ حتى الآن. كما أنه – وفقا لرأي غالبية الإرتيريين داخل وخارج البلاد – لا يوجد للأسف دليل لأي تطورات في مجالات البلاد وقطاعاتها والوعود التي قطعها النظام.
وبالتالي فإن الحقيقة المرة بالنسبة للمراقبين, أنه لا توجد إنجازات واقعية تستحق الاحتفال بها؛ فالذين شاركوا في الحرب من أجل الاستقلال لم يقتنعوا اليوم بعد مرور ربع قرن أن ما تقوم به السلطة الحالية هو ما قاتلوا وضحوا بحياتهم من أجله.