الخرطوم _ صوت الهامش
وقعت الحكومة السودانية قبل نحو إسبوعين اتفاقاً حول قضايا ما قبل التفاوض في العاصمة الألمانية (برلين) مع حركتي العدل والمساواة السودانية وحركة جيش تحرير السودان قيادة مناوي، واتي الإتفاق عقب جولة مشاروات عقدتها الحكومة السودانية وحركتي العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان قيادة مناوي برعاية إقليمية ودولية .
ويمثل اتفاق برلين ممهدداً لبدء جولة تفاوضية من المنتظر أن تبدأ في منتصف يناير المقبل في العاصمة القطرية الدوحة .
وعقب التوقيع علي الإتفاق تساءل كثيرون عن جدوي وثيقة الدوحة لسلام دارفور ، وما الذي تبقي منها لأن تنضم قوي جديدة لها ؟ وهل الأمر مرتبط بضغوط دولية تمارس علي الحركتين ؟ بينما تساءل آخرون لماذا تلجأ حركتي العدل والمساواة السودانية وحركة جيش تحرير السودان قيادة مناوي نحو وضع يدها مع الحكومة السودانية في ظل الأزمة الخانقة والتردي المريع الذي تشهده كل المؤسسات في السودان.
إستنئاف التفاوض
وكان ممثل الحكومة السودانية أمين حسن عمر قال في بيان عقب التوقيع علي إتفاق برلين أن الإتفاقية تنص علي إستئناف مفاوضات الدوحة بين الطرفين علي ان تكون إتفاقية الدوحة لسلام دارفور منتهية الأجل هي الأساس للمفاوضات مع الالتزام بمناقشة كل الموضوعات التي تري الحركتين ان ثمة حاجة لبحثها لتحقيق السلام الشامل والمستدام بدارفور .
وأضاف البيان علي أن تلتزم الأطراف بتشكيل الآليات المناسبة لتنفيذ مخرجات المفاوضات بين الحركتين وحكومة السودان ، وأعلن أمين حسن عمر استعداد الحكومة السودانية لإستئناف مفاوضات الدوحه بذات الروح الايجابية والبناءة من أجل استكمال السلام النهائي في دارفور.
السؤال عن الضامن
ويري مراقبون أن حركتي العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان قيادة مناوي تتجهان نحو توقيع إتفاقية مع الحكومة السودانية علي أقل تقدير منتصف العام الجاري لتنضم الاتفاقية التي يجري الإعداد لها لإتفاقيات كثيرة كان طرفها النظام الحاكم وجماعات مسحلة من إقليم دارفور .
وعادةً في كل مرة يتهم النظام الحاكم في الخرطوم بعدم الوفاء بالعهود وعدم إلتزامه بما تم الإتفاق عليه او ينكص عن البنود التي وقعها ، هذه الإتهامات بحسب مراقبون ترجع لغياب الضامنين الرئيسيين لكل الإتفاقيات مما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤل حول من الذي يضمن تنفيذ الإتفاقية المتحملة؟ .
ويقول منتصر إبراهيم الزين منسق اللجنة التأسيسية للمبادرة السودانية للحقوق والحريات أنه لا يمكن أن تكون هناك ضمانات، ولا طبيعة الإنفاقيان تتطلب أن تكون هناك ضمانات ، فهي محض زبونية سياسية يقوم عليها النظام السياسي في السودان ، وذلك بائتلاف الصفوة السياسية لتقاسم السلطة والثروة لأجل، ومن ثم تنتهي الصفقة لتتاح من ثم لزبونية جديدة.
وأضاف الزين “إذن هي محددة وواضحة ولا تحتاج لسقف ضمانات ، وقال الزين في تعليق لـ(صوت الهامش) أنه لا يعتقد أن طبيعة هذه التسويات تعكس طبيعة النظام الدولي، الذي يقوم بتمويل الأنظمة السياسية والحكومات بمداخل تسهيلات إقتصادية بمتطلبات سياسية، مثلاً إتفاقية نيفاشا تمت ضمن مفاوضات حكومة السودان مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بغرض جدولة الديون، ومن ثم كانت المشروطية أن يتم وضح حد لأسباب النزاع في جنوب السودان
وتابع قائلا “إذن إن الإتفاقية نفسها تتضمن حلول إقتصادية لمشاكل النظام، وذلك بتقديم المنح والقروض للحكومة. إذن فإن الضمان هنا ضمانة مالية وهي لصالح صفوة أطراف الإتفاقية.
رؤية الزين بدأت متقاربة لما يقوله نائب أمين التفاوض في حركة العدل والمساواة سيد شريف وقال لـ(صوت الهامش) أن سجل النظام فى الوفاء بالالتزامات عموما سيئ، و لا يبشر بخير؛ و ليس هنالك إتفاقا للسلام مع النظام تحدث عنه اطرافها الموقعة برضأً و قبول .
وأشار شريف إلي أن كثيرا من الإتفاقيات لم تنفذ لأن العيب الأساسي ليس فقط فى غياب إرادة النظام فى الوفاء ببنودها و لكن العيب فى مضمون الإتفاق الذي يترك أمر تنفيذ بنوده للنظام .
وقال: “نحن نفكر بصورة مغايرة و لدينا رؤية فى الاتيان بإتفاق يحمل عوامل نجاحه فى طريقة تنفيذه؛ هذا اذا تم التوصل لإتفاق إبتداءا ، و لكن لا أحد يستطيع ان يتكهن او يؤكد بأننا يمكن ان نصل لإتفاق مع هذا النظام و بالطريقة التي نراها نحن).
فيما تقول الصحفية سلمي التجاني في حديثها لـ(صوت الهامش) أن الضامن الوحيد هو الشعب إذا أيقن بأن هذه الإتفاقيات تعالج قضايا الوطن الأساسية، الأقتصاد والتنمية والحريات والسلام الدائم مشيرة الي ان الشعب لايشعر بذلك إلا إذا كان جزء من هذه الإتفاقيات عبر استفتائه فيها.
ولفتت في حديثها إن رجعت الأحزاب والحركات المسلحة لقواعدها وشرحت لها ، وبصراحة، مضامين الإتفاق والمكاسب التي سيجنيها الوطن، والعقبات المتوقعة، وخلق إجماع حولها، حينها ستضمن حامي ومدافع .
وأكدت التجاني أن ما يحدث دائماً أن هذه الإتفاقيات تظل بعيدة عن القواعد، لأنها لا تجد نفسها جزء منها، فتجد القوى التي توقع مع النظام نفسها تواجه النظام منفردة بلا دعم جماهيري ، فيصبح الإتفاق ورطة أكثر من كونه إنجاز .
ولفتت أن الواقع والتجارب السابقة تقول، أن الإتفاقيات التي تُنجز تظل مجرد توزيع للوظائف، والكلمة العليا فيها دائماً للحزب الحاكم. وبمجرد أن يتم التوقيع ، ينفض المجتمع الدولي ، الضامن الذي ينحصر دوره في الضغط على طرفٍ واحد، فهو ضامن لا يضمن إلا مصالحه.
إتفاق في زمن الأزمات
وتأتي التحركات الداعمة للتسوية السياسية في السودان في ظل ظروف إقتصادية بالغة الصعوبة والتعقيدات وتحديات ماثلة يواجهها المواطن السوداني، الذي يعاني الأمرين في الحصول علي الخبز والوقود والنقود بجانب التحديات الأمنية في مناطق الحروب ، و في ظل عجز الدولة وفشلها الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها .
ورغم ما تعاني البلاد من شظف في العيش والتردئ المعيشي ، تبحث الحكومة السودانية والحركات المسلحة عن تسوية سياسية بحسب مراقبون يرون بأنها لا تتجاوز محطة تقاسيم السلطة وتقاسم الغنائم بين الأطراف للجهة أن الإتفاق بوجهة نظر مراقبون مصمم علي تقاسم السلطة وإهمال القضايا الرئيسية .
وقال منتصر الزين الذي عاد وأكد لـ(صوت الهامش) أن التسوية المحتملة ستؤثر تأثير واضح، وستكرس لعزل قوى إجتماعية كبيرة في دارفور، إلي جانب عدالة قضية الإقليم ومعركتها السياسية مع المركز .
وأضاف في قوله “لك ذلك فإن هذه التسوية تعتبر خطأ كبير في حق الناس والشعب والأرض، إلي جانب ضياع استحقاقات العدالة، ونحن نعلم حجم الإنتهاكات التي تمت في حق السكان، والتي يشهد عليها العالم، لذلك فإن الواجب يقتضي أن تنهض قوى الإقليم لجعل هذه الاستحقاقات مطالب لا يجب التنازل عنها” .
فيما يختلف نائب أمين التفاوض في حركة العدل والمساواة سيد شريف علي ما يقوله منتصر الزين ويدعم شريف خط التسوية وقال في حديثه لـ(صوت الهامش) ندرك ادراكا تاما ان البلاد فى أزمة و ليس فى جعبة النظام حلولا للازمة الحالية؛لانه لا يمتلك رؤية و ليس لديه حيلة أخري غير التمترس بالسلطة رغم ازماته الخانقة .
ونوه شريف إلي أن أحيانا من فنون التفاوض فى تسوية النزاعات أنه من الأفضل ان تحاور طرفه أعياه الحيلة و المت به النكبات و انسدت أمامه الافق، فإمكانية تحقيق إختراق معه و الوصول الي تسوية دائما أفضل من محاورة طرف فى وضع مريح .
وأضاف “تفاوضنا مع النظام ليس لإنقاذه بقدرما ما محاولة لتحريك المياه و البحث عن الخيارات الممكنة فى ظل الظروف المحيطة بالنظام و بنا و بالبلاد”.
الإعياء والضغوط
إتجاه حركتي العدل والمساواة السودانية وحركة جيش تحرير السودان قيادة مناوي نحو التفاوض فسره البعض بأن الحركتين أعياها “النضال” كما كانت تقوله ، فإتجهت نحو محاورة النظام ، غير أن هذا الامر بالنسبة لمنسقة المبادرة السودانية للحريات منتصر الزين بدأ غير لائق ويقول بأن الأمر أكبر من مجرد إعياء النضال .
وأضاف في حديثه “أعتقد ان ضغوط المجتمع الدولي كان لها أثر كبير، وهي مصالح بكل تأكيد لا تراعي لاستحقاقات العدالة والسلام المستدام، فهي عملية فوقية آنية تميل مع رياح المصالح متى ما مالت .
ودافع سيد شريف عن توجه حركتي العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان قيادة مناوي نحو التفاوض بحثاً عن الحل السلمي ، وقال أن الحركتان ظلتا تسجلان حضورا دائما و فى كل المنابر طوال تاريخ الازمة؛ و ليس بالضرورة وجودهم فى هذه المنابر دليلا علي التوصل لسلام .
وأضاف في حديثه “أما مسألة القوة و القدرة ؛ ليس دليل علي الأعياء او الاستسلام؛ نحن لسنا من الذين يصيبهم الاعياء او يستسلمون للحظة الانكسارات العابرة؛ و مخطئ من ظن أننا غير ذلك .
وفي سؤال لمنسق المبادرة السودانية منتصر الزين حول لماذا قبلت الحركتين بوثيقة الدوحة أجاب قائلاً “أعتقد أن القبول بوثيقة الدوحة يجيئ من باب استسهال عملية لسلام نفسها، فهي لم تتطلب منهم العمل بجدية للبحث عن مسار جديد، لذلك تم التعامل مع مسار منتهي أثبت عدم فعاليته ولم تحقق أي نتائج إيجابية سوى أنها حصالة لدفع الرشاي المالية والمكاسب قصيرة الأثر” .
غياب عبدالواحد نور
اللافت في الأمر أن التحركات التي تجري الان والجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لتسريع وتيرة التسوية السياسية في السودان تشهد غياباً واضحاً لحركة جيش تحرير السودان التي يقودها المحامي عبدالواحد محمد نور الرافض لمبدأ التحاور مع النظام الحاكم .
وتجاوز الحركة التي يقودها نور غضون الفترة المقبلة يفتح الباب واسعاً أمام جملة من الاستفسارات حول التأثيرات التي يمكن أن تحدث جراء غياب عبدالواحد محمد نور .
ويقول نائب أمين التفاوض في حركة العدل والمساواة سيد شريف لـ(صوت الهامش) أنه لا أحد ينكر أن لفصيل عبد الواحد تأثير كبير فى حالة السلم فى حالة الغياب عن مسرح عملية السلام؛ بيد أن الامور فى عالم السياسة ليست مرهونة لرغبات الأفرادد و الفصائل؛ و المواقف السلبية و سياسة الكراسي الفارغة لا تحقق نتائج؛ و شروطه للتواصل مع الاخرين فى عملية السلام مستحيلة؛ و ينتظر طويلا و يطيل معه ازمة البلاد و معاناة شعبه .
ولفت شريف أو البحث عن خيارات بديلة له خير لقضيته و لشعبه؛ للقوي الاخري ، وقال “نداؤنا له للعمل سويا فى مواجهة النظام؛ و بالعمل المشترك وحده يتحقق الاهداف التي قاتل هو و الاخرين من أجلها”.
مضيعة الوقت
وبدأ الخبير الاقتصادي وأستاذ السياسات الاقتصادية بالجامعة الامريكية بالقاهرة حامد التجاني ناغماً علي الوضع الحالي ، ويشير في حديثه لـ(صوت الهامش) أن الدولة السودانية بشكلها الحالي في أخر الرمق الأخير لجهة أن الازمةً السياسية مركبة وأثرت علي الاقتصاد وحياة المواطن العادي .
وقال أن الأزمة ليست مسألة حوار سياسي وأتفاق علي تراضي بل أن ما يجري الان من تفاوض هي مضيعة للوقت والمواطن لا يشعر بأي شئ لاعتبارات ان الناس اصبحت غير قادرة علي أن تعيش، بجانب أن النخب كلها الان اصبحت في مأزق تاريخي والوطن في طريقه للضياع .
ونوه التجاني أن مسألة الإتفاقيات التي يجري الترتيب لها هي مضيعة للوقت .
وفي سؤال حول لماذا تريد الحركات المسلحة ان تصبح رديف للنظام الحاكم ، قال بأن الحركات الان بكل اشكالها فقدت الارضيّة الأخلاقية والسند الشعبي وأصبحت مجموعات مصالح ذاتية ومحاصصات وتبحث عن موطئ قدم في الحكومة وليس لديها اي خيار .
وأوضح أن دخولها لن يغير في وضع السودان بعد أن وصلت الأوضاع لمرحلة اليأس والسودان يحتاج الي نخب جديدة .
ولفت ان رئيس حركة جيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور اصبح الان خارج المعادلة ودائرة التاريخ وضاعت عليه العديد من الفرص برفضه وعدم قبوله وتعاطيه مع المجتمع الدولي وعدم تفهمه للتطورات الدولية ، وقال “ماعاد هناك مكان له” ، لجهة أنه ضيع فرص كبيرة وهو خارج دائرة التاريخ وأصبح الان موجود كظاهرة صوتية ولن يكون له تأثير .
وحول قبول الحركات المسلحة اخيراً التفاوض علي أساس وثيقة الدوحة لسلام دارفور ، قال بأن الوثيقة لا بأس بها لإعتبارات كثيرة من بينها أن قطر هي الجهة الوحيدة التي يمكن أن تمول الإتفاق المستقبلي ، الا أنه عاد وقال أن الإتفاقيات التي وقعت والتي يجري الترتيب لها لن تغيير شئ لان البلاد في حوجة لرؤية جديدة وتصالح .
وأكد التجاني أن النخب تتصالح مع نفسها ليس من أجل الإستحواذ علي السلطة ، وإنما الإتفاق علي ميثاق جديد يتراضي عليه أهل السودان مشيرًا أن الموجود الآن هو صراع حزبي مقيت وتقسيمات أفقية ورأسية الدولة في طريقها للتلاشي والأتفاقيات لن تحل مشكلة.