ستظل مقولة البطل الأسير يوسف أبوكيلو تدوي في تاريخ دارفور والسودان حتى تنتصر القضية التي ناضل وقاتل من أجلها أكثر من 15 عام ليتم أُسره في جبال عدولة بعد أن نفذت ذخيرته هو ورفاقه الميامين وأُصيب بجروحٍ بالغة، لقد أفصح عن قضيته قائلاً ( القضية لن تنتهي بالهزيمة وقد إنتصرنا كثيراً قبل هذه المعركة) بل لقنهم درساً في الإيمان والثبات عندما قال ما حدث اليوم كان مقدراً أن يحدث وأنا اليوم مطمئن وعاد إلى مرقده وهو ينظر إلى السماء في كبرياءٍ وشموخ، إنهم أسرى الحركة وإنه عهد الرجال، وفي المقابل تظل مقولات أنس والي شرق دارفور تُسوِّد صفحات تاريخ الإنسانية في تجسيدٍ صادق لمقولة “كل إناء بما فيه ينضح” وبأسلوبٍ يشبه رجال الإنقاذ تحدث داعياً إلى الفتك بأسرى المواجهة التي جرت في شهر مايو المنصرم بين حركة جيش تحرير السودان”مناوي” وحليفها المجلس الإنتقالي، نحن هنا لسنا بصدد الرد على بذاءة الوالي وسوء طويته فهو ينحدر من مدرسة فكرية هي القمقم الذي خرجَّت أمثاله من قيادات الإنقاذ وألقت بهم كأفدح الأقدار على حظ البلاد والعباد، وأنس يُعد شر وبلاء يقع على أهلنا في شرق دارفور، فمنذ أن حل بأرضهم الطيبة أناخت الأزمات والحروبات الأهلية بكلكلها على تلك البقاع، وإن صدق في جزئية من حديثة عن الأسرى فهي حديثه عن الذخيرة وأنها (هي ما هينه) وفعلاً هي ما هينه لأنه لولا نفاذ الذخيرة من أولئك الشباب لكان قد هرب من شرق دارفور مثلما فعلوها أولياء نعمته عندما دخلت قوات حركة العدل والمساواة أم درمان.
بعض الواهمين والمغيبين والمسطحين يصورون الصراع المسلح الذي يدور بين حركة جيش تحرير السودان”مناوي” ونظام البشير وكأنه قتال يدور بين دولة ودولة أو بين جيشين يعتمدان على قدرات دولة، ولذا تراهم يهللون لأسر عددٍ من ضباط وجنود الحركة ويعتبرون الأمر هزيمة للحركة، هؤلاء لايدركون أن الذين يؤسرون في صراعهم النبيل ضد نظام فاشيستي ودكتاتوري لهم أبطالٌ أفذاذ يُقارعون الظلم ولذا فإن أسرهم أو جرحهم أو إستشهادهم يُعد قلادة شرف تُزين جيد الزمان وتُضئ صفحات من تاريخ السودان لكونهم تصدوا لنظامٍ دمويٍ وقاتلٍ وفاسدٍ قد عجز الكثيرون وارتهبوا وتخاذلوا من الوقوف في وجهه، فهم لم يكتفوا بقول كلمة حق في وجه سلطانٍ جائر بل حملوا السلاح في وجهه للإطاحة به رغم شح الإمكانيات وقلتها ولعمري هذه شجاعة وبسالة نادرة ترفع مقامهم سامقاً في وقت تخاذل فيه المتخاذلون والوطن وضعفاؤه يستصرخونهم، فلو قُدّر لهولاء الأبطال الحصول على عُشر إمكانيات مليشيات البشير لكانوا قد أطاحوا بهذا النظام القمئ ورموه في مزبلة التاريخ منذ زمانٍ طويل.
الذين يحاولون الرقص على جثث الشهداء والمتاجرة بصور الأسرى، هم لا يدركون صدق هؤلاء تجاه القضية التي آمنوا بها، وللأسف هناك بعض من أهل السودان ينظرون للأمور وفق الزاوية التي يحبون والتي يرغبون، إثنياُ وجهوياً، ولا يرغبون في رؤيتها من زاوية الحق وتلمس ما يُعاني منه الآخرون، لأننا ببساطة نُقيس الأمور فقط بما نتأثر به وبما يصيب ديارنا القريبة والجغرافيا المحدودة التي نحيا فيها، فلو قُدِّر للكثيرين أن يعيشوا في تلك الأصقاع التي عاش فيها الثائر الأسير يوسف ورفاقه في أنحاء إقليم دارفور لحملوا هم أيضاً السلاح مطالبين بإستحقاقات عادلة تتمثل في غياب التنمية وكل مظهر من مظاهر الحياة الكريمة لعقودٍ طوالٍ من الزمان، فعندما يزور المرء تلك الأصقاع لا تقابله إلا الرياح الجافة المحملة بالأتربة والغبار تلفح وجهه بسمومها الحارقة ومنازل هي أشبه بعششٍ لا ترقى للعيش الكريم، فلا مستشفيات ولا خدمات ولا صحة ولا بيئة تليق بكرامة الإنسان ولا أمل في مستقبل، هكذا يمكن تلخيص شكل الحياة في كل أنحاء دارفور منذ أن خرج المستعمر الإنجليزي وحتى هذه اللحظة، فماذا يفعلون سوى حمل السلاح والبحث عن هذا الحق المضاع وقد إستمرأت الحكومات المتعاقبة إستغشاء الثياب وتجاهل صرخات ومطالبات أهل دارفور المستمرة؟.
نحن هنا نتوسل الصادقين من أهلنا في السودان أن يُولوا بعض الإهتمام لشكوى هؤلاء المريرة وأن يركزوا قليلاً في بحث عدالة هذه القضية حتى نصل بأسرع ما تيسر لحلٍ لها، فالتقليل من شأنها ومن شأن هؤلاء الشباب الذين إضطلعوا بعبء التعبير عنها لا يزيد الأوضاع إلا سوءً، فهؤلاء الشباب لن يضعوا السلاح جانباً قط إلا بعد أن تتحقق المطالب التي ينادون بها ولذا فإن أقصر الطرق لحل الأزمة وحقن دماء أبناء السودان هو الإعتراف بوجود أزمةٍ حقيقيةٍ وبصدق الشباب الذين حملوها في الصدور، دموعاً ودماً، والجلوس لوضع حلٍ نهائيٍ وهو المخرج الوحيد للأزمة.
أما الإقذاع والسب وإطلاق الأوصاف مثل مرتزقة ومتمردين وعملاء وأنهم قتلوا أهلهم كل ذلك لا يُغير من الأمر شئ ولا يجعل فوهة البندقية تكف عن إطلاق النار، فلا القتل ولا الأسر ولا غيره يجعل شباب دارفور يكف عن البحث عن دولة المواطنة الحقة، لقد ضحوا بأرواحهم وبأجزاء من أطرافهم وتعرضوا للأسر والإعتقال والتعذيب ولم تزدهم هذه المآسي إلا إصراراً على مواصلة الكفاح من أجل القضية التي آمنوا بها وقد إستشهد الآلاف من قبل ولم تخمد نار القضية، فإذا أسر يوسف أبو كيلو فهناك الآلاف من أمثاله من المستعدين للقتال بضرواة حتى الموت في سبيل ذلك وهل هناك ماهو أكثر فداحةٍ من الموت؟ إنهم مستعدون للموت فماذا أنتم ونظام البشير فاعلون؟، الحل في غاية البساطة هو إقامة دولة المواطنة والمؤسسات والمشاركة الحقيقية في إتخاذ القرار في هذا السودان وألا تنفرد فئة دون أخرى بعلمية التقرير في شأن البلاد والعباد كيفما شاءت والآخرون يتفرجون، فما العسير في هذا الحل؟ ولماذا لا يدعم باقي أهل السودان هذا الحل حقناً للدماء ومنعاً للصراع والتفرغ لبناء وطنٍ فسيحٍ ويسع أضعاف تعداد سكانه حاليا؟ من يحلم بإستمرار تلك المعادلة الظالمة والقسمة الضيزى والتي ظلت تُمثل سمةً بارزةً من سمات إدارة البلاد منذ الإستقلال وحتى اليوم فهو واهم، رفعت الأقلام وجفت الصحف، أما وطنٌ “بالفيهو نتساوى” وأما قتالٌ حتى الموت وعلى الباغي تدور الدوائر.
نصحت أهلي بمنعرج اللوي فأرجو أن يستبينوا النصح قبل ضحى غدٍ
Almotwakel_m@yahoo.com