أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
صدق الله العظي
Omerelgarrai@gmail.com
بينما تضرب السيول، والفيضانات، والأمطار الغزيرة، مختلف أنحاء السودان، والبسطاء من المواطنين، في “همشكوريب”، وكسلا، والقضارف، ونيالا، وقرى النيل الأبيض، وشرق النيل، وأطراف الخرطوم، يخوضون في المياهوالأوحال، ويحملون كبار السن على أكتافهم، ويقطعون السيول الفائرة ب”العناقريب”، وقد سقطت منازل “الجالوص”، وجرفت القطاطي، وضاعت الملابس، الممتلكات على قلتها، ووقف الرجال، والنساء، والأطفال، الذي نجوا من الموت غرقاً، مخلفين جثامين ذويهم تحت الماء والطين، وقفوا في شوارع الأسفلت، ينتظرون من حكومة الاخوان المسلمين، عوناً، وسنداً، لا تعطيه، ولا تعلن عن الكوارث بصورة جادة ومسوؤلة، حتى تأتيمنظمات الإغاثة الدولية.. في هذه المأساة الإنسانية البالغة، التي تدل على فشل الحكومة، واستهتارها بالشعب، يظهر لنا الاخوات المسلمات، وهن يبددن أموال الشعب !! فقد إمتلأت الصحف الإلكترونية، ومواقع التواصل الإجتماعي، بصورة لمجموعة منهن،عرفت باسم “أخوات نسيبة”، وهن بدلاً من الثوب السوداني، الذي يميز المرأة السودانية ويكرمها، يرتدين ثياباً حمراء، وعليها رسم الهلال، ليمثل الثوب صورة للعلم التركي .. ولم يقف نشاطهن عند التأييد داخل البلد، وإنما سافرن بأموال الشعب الى تركيا، ونزلن في فنادقها الفاخرة، وكان الغرض من هذه الزيارة، هو تهنئة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على نجاته ونظامه، من الإنقلاب العسكري الذي أوشك أن يطيح به. فهل أولوية “أخوات نسيبة”، إذا كن بالفعل لهن أي علاقة بنسيبة بنت كعب المازنية،التي سرقن أسمها دون حياء، أو بالإسلام، الذي جعل منها تلك الصحابية الجليلة، التي كانت تزود عن النبي صلى الله عليه وسلم، في ميدان القتال، يوم أن فر عنه الرجال .. هل أولويتهن تهنئة “اردوغان” ، أم إغاثة شعبهن المنكوب بالفيضانات، بسبب هذه الحكومة الفاشلة من أي النواحي أتيتها ؟! الحكومة التي تأخذ من الشعب الجبايات على خدمات لا تؤديها، ثم لا توظف عشر ما أخذت، لتحسين المجاري، والشوارع، ومصارف المياه، حتى لا يفاجئها الخريف كل عام !!
معلوم أن “أردوغان” من الاخوان المسلمين، وأن حكومة تركيا الآن،تعد أكبر معاقلهم، وأوضح نماذجهم.. فهل يكفي ذلك وحده ليؤيده الاخوان المسلمون الحاكمون في السودان، ويرسلوا “أخوات نسيبة” لتهنأته بالنجاة من الإنقلاب ؟! أم أن تأييده يقتضي أن يكون نظاماً صالحاً، بحسب المقاييس الدينية، التي يدعي الأخوان المسلمين، والأخوات المسلمات، التقيد بها، والإحتكام إليها ؟!
جاء عن فساد نظام أردوغان (يتفق خبراء وباحثون على أن قضية الفساد التي طالت وزراء في الحكومة التركية، ودفعت رئيسها رجب طيب أردوغان لإجراء تعديل وزاري موسع، قد تلقي بظلال قاتمة على استقرار أردوغان في منصبه، وتهز عرش حزب العدالة والتنمية الحاكم. وبعد 6 أشهر فقط من احتجاجات غير مسبوقة تحدت سلطته في يونيو الماضي، يجد أردوغان نفسه أمام عاصفة سياسية عنيفة. وأجرى رئيس الحكومة تعديلا وزارياً الأربعاء، بعد أن استقال 3 وزراء “الاقتصاد والداخلية والبيئة” على خلفية فضيحة فساد، تمثل تحدياً لم يسبق له مثيل لحكمه الذي مضى عليه 11 عاما. وبدأت الأزمة في 17 ديسمبر عندما ألقي القبض على عشرات الأشخاص، من بينهم رئيس بنك خلق المملوك للدولة بتهم فساد. ووضعت الأزمة أردوغان في مواجهة مع السلطة القضائية، وأشعلت مجددا المشاعر المناهضة للحكومة التي ظهرت في احتجاجات شعبية في منتصف 2013…. واعتبر خبير الشؤون والعلاقات التركية العربية، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية بالقاهرة، مصطفى اللباد، أن أزمة الفساد “تضع نهاية النموذج التركي الذي تم تضخيمه في المنطقة العربية”، مستبعدا نظرية “المؤامرات الخارجية”. وتابع اللباد لـ”سكاي نيوز عربية”: “الانحدار في النموذج بدأ في جيزي بارك مع قمع المتظاهرين”، مشيرا إلى أن “الفساد يطال أردوغان شخصيا عندما تطال الحلقة الضيقة منه بقضية فساد”. ويرى اللباد أن أردوغان “ربما يفوز في الانتخابات المقبلة، لكن ثقله ونظرة العالم إليه لم تعد بالطبع كما كانت خلال السنوات الماضية”…. وقال أوسكان لـ”سكاي نيوز عربية”: “عندما عرف أردوغان أن هناك أدلة في قضية الفساد ستشكل خطرا على حكمه وعلى حزب العدالة والتنمية، ربما أقر أن يكون هناك استقالات خوفا من أن تطاله شخصياً”)( سكاي نيوز عربية 26/12/2013م)
وعندما فشل الإنقلاب الأخير، لم ينتظر أردوغان نتائج التحقيقات،بل إنتهز الفرصة للتخلص من كل معارضيه .. ففصل الآلاف من القضاة، والمعلمين، والموظفين، في مختلف مرافق الدولة، وقام بتفيصة واسعة للجيش ومحاكمات عاجلة، كما سارع بأن يضع مكان المفصولين، أعضاء حزبه والموالين له، في محاولة جديدة “للتمكين”، كما هو نهج حكومات الاخوان المسلمين.
وحتى يجرد معارضيه، الذين إتهمهم بالإنقلاب، أخذ أعوانه يشيعون عنهم أسوأ الشائعات .. فقد جاء ( ألمح عمدة أنقرة مليح غوكشيك في حديثه لمحطة “سي إن. إن. تركيا” الى ان الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاكمة الإنقلاب يستخدم الجن لاستعباد الناس. واوردت صحيفة “حرييت دايلي نيوز” رد العمدة على سؤال خلال المقابلة : “كيف يمكن ان يسيطر غولن على مثل هذا العدد الكبير من الناس وما الذي يجعله مختلفاً” حينها أجاب غوكشيك بأنه يستخدم الجن. ” قد يبدو هذا أمراً مضحكاً ولكنه يفعل هذا بطريقة غريبة إنه يفعله باستخدام الجن الجميع يمكنهم الآن مناقشة الأمر إنه يستعبد الناس باستخدام الجن” وأضاف العمدة أنه من الواضح أنه تم استعباد الكثير من الناس في أوقات سابقة وتم إنقاذهم لاحقاً” فغولن لديه القدرة على فعل ذلك أيضاً الناس يسحرون ويتم إنقاذهم)(مواقع التواصل الاجتماعي 30/7/2016م). هؤلاء هم الاخوان المسلمون، حتى في تركيا،لديهم “بلة الغائب”، ليسحر لهم المعارضة، ويكشف استخدامها للجن، ويجعلهم ينتصرون عليه، وعلى الجيش الذي حاول الإنقلاب ضد أردوغان !!
ولعل إعجاب ” أخوات نسيبة” بنظام أردوغان، سببه الشبه الشديد بينه وبين نظام البشير في السودان، فكلاهما نظامان فاسدان،والفساد فيهما لا يمكن محاربته، لأن من يقوم به هم من أسرة الحاكم، الذي يشارك في الفساد، ويتستر عليه .. فقد جاء ( أنقرة – قالت مصادر تركية إن نفي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان صحة الشريط المسرب له ونجله لا يغيّر من الأمر شيئا، فقد فتحت النيابة التركية تحقيقاً في الغرض، وهناك مؤشرات كثيرة على أن نجله مورط في قضايا فساد. وكشفت المصادر أن رئيس الوزراء يحاول بكل السبل أن يغير مجرى التحقيق الذي سيتم بشأن ابنه بلال، وأن يقف الأمر عند استدعائه من قبل النيابة ثم يطلق سراحه على أن تحال القضية في فترة لاحقة على شخصية قضائية مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم. ونقلت المصادر ذاتها أن أصدقاء مقربين من بلال أكدوا أن الصوت المسموع عبر الشريط هو لنجل أردوغان، وأنه كثيرا ما حدثهم عن مشاريعه المالية وعلاقاته برجال الأعمال المرتبطين بالحزب الحاكم… وفي إحدى المحادثات الهاتفية الخمس التي تم تسريبها، أعلم بلال والده بأنه قرر توزيع المال على عدد من رجال الأعمال الذين كانوا يدينون له بالولاء؛ فيما سيتم “دمج” حصة كبيرة من المال عن طريق دفعات لمشاريع مختلفة.وسبق لبلال أردوغان “33 عاما” أن تم التحقيق معه في أكثر من قضية فساد، لكنه سرعان ما كان يخرج دون إدانة، مستفيدا من صداقات أبيه وتدخلاته، وكان آخرها حضوره أمام الادعاء حول رشوة وفساد يشملان عمليات مؤسسة تعليمية يديرها أفراد الأسرة.وخيّر بلال الهروب إلى جورجيا بعد تفجر فضائح الفساد في حكومة والده لتطال وزراء ومسؤولين بارزين وأبناءهم، وحين هدأت العاصفة عاد مجددا إلى مسرح الفضائح… ويقول مقربون من حكومة أردوغان إن النجل الأكبر بلال لم يترك قطاعا اقتصاديا إلا وكان له فيه دور وتأثير سواء من خلال التدخل للمنفعة الشخصية أو خدمة لأفراد العائلة أو أصدقاء أو قيادات من الحزب الحاكم.وسبق أن فجرت صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية فضيحة أخرى في سجل نجل أردوغان حين كشفت أنه قام بعقد عدد من الصفقات التجارية مع إسرائيل في أعقاب حادثة مرمرة التي راح ضحيتها عدد من الأتراك ذهبوا لمساندة غزة. ونقلت الصحيفة عن مصادر من المعارضة التركية قولها إن سفينتين تابعتين لشركة “إم بي” التي يملكها “نجل أردوغان” كانتا تنقلان المواد التجارية بين مواني تركيا وإسرائيل خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وعلق معارضون أتراك بالقول إن علاقات بلال مع إسرائيل تكشف نفاق أردوغان نفسه الذي ينتقدها في العلن، لكنه يقود العلاقات معها في السر، إلى درجة أن المعاملات التجارية بين البلدين خلال أزمة مرمرة بلغت 4 مليارات دولار بارتفاع يصل إلى نسبة 30 بالمئة عما كانت عليه في السابق. وبالتوازي مع تورطه في قضايا الفساد الاقتصادي، كان نجل أردوغان يتعامل بصلف وغطرسة مع الخصوم السياسيين لأبيه. وسبق أن تسبب في أزمة داخل البرلمان حين كتب في تدوينة على تويتر مهاجما المعارضة “إن البرلمان ليس للتسكع” اعتراضا على انتقادات وجهت لأبيه من قبل نواب المعارضة خلال مناقشته للموازنة العامة)(صحيفة العرب27/2/2014م)
إن محاولة أردوغان تغطية فساد إبنه، وحمايته من المساءلة، رغم تسخيره أمكانات الدولة، لمصلحته، ومصلحة أسرته، على حساب الشعب التركي، إنما هي صورة لما يجري عندنا في السودان، من فساد أشقاء الرئيس، وسيطرتهم على موارد البلاد، وقيادتهم لكافة شركات الفساد، ثم حمايتهم من طائلة القانون، لأنهم ينهبون أموال الشعب، ويضعونها في يد الأسرة الحاكمة، كما يفعل إبن أردوغان . والاخوان المسلمون، والأخوات المسلمات، يهنئون بعضهم بالفساد، وبسرقة أموال الشعوب، ثم لا يستحون، بعد كل ذلك، من تسمية أنفسهم بأسماء الصالحين والصالحات، من كرام الأصحاب. هؤلاء ليسوا ” أخوات نسيبة” وإنما هن بنات “أردوغان”.