بقلم عثمان نواى
طوال سنوات ظللنا نردد ان اهم خطوات ادخال السودان فى مسار الحلول الجذرية لازماته التاريخية تبدأ من تبنى النخب وخاصة من المجموعات المهيمنة على الدولة تاريخيا لممارسة الاعتراف والمواجهة للواقع والتاريخ المؤلم والمعقد للسودان. ومما يدعو للتفاؤل ان المراقب يجد ان هناك أصوات أصبحت تعلو بخطاب فيه قدر عالى من المواجهة والاعتراف والشجاعه فى الطرح فى تناول قضايا السودان التى تسببت فى الحروب والانفصال وحالة التشظى فى الوجدان الوطنى.
حيث ان الخطاب الذى ظل ينكر وجود أزمات تتعلق بالتمييز والتهميش والعنصرية أصبح غير منطقي بعد وصول البلاد الى ما اسماه الحاج وراق فى ندوة مؤخرا فى دار الحزب الجمهوري، وصول البلاد الى “الميس”. حيث لم تعد لعبة الهروب من الحقائق ومن الماضي والحاضر ممكنة ولا توجد حلول تنقذ جميع الأطراف سوى المواجهة المباشرة مع التاريخ والواقع الذى صنعه ذلك التاريخ. بل ان هناك تبنى لرؤى جديدة تشمل إعادة النظر الى تاريخ الصراع السياسي والنزاعات نفسها ووضعها فى قالبها التاريخي الصحيح باعتبارها لم تكن حروب على السلطة او من أجل غبائن تاريخية فقط ،بقدر ما انها حالة من المقاومة والرفض للظلم واعلاء لقيم الحرية والمطالبة بالمساواة وعدم قبول اى معاملة دونية على اى اساس كان ثقافى او دينى او غيره. حيث ان النظر الى منطلقات المقاومة المسلحة فى هامش السودان الممتد جغرافيا وتاريخيا من الجنوب الى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، كل ذلك التاريخ الشعبى من رفض الظلم والمطالبة بالمساواة هو مما يدعو لفخر كل السودانيين بشجاعة هذه المجموعات السودانية ودفاعها عن قيم المساواة الإنسانية كاساس البناء الصحيح للدول المتحضرة، تلك القيم التى يجب ان يتم البناء عليها الآن لتشكيل دولة المواطنة. ويجب ان يكتب التاريخ ان الحفاظ على هذه المبادئ نتج عن النضال المستمر لهذه الشعوب الى الان.
المحور الاخر من الخطاب الذى يدعو للتفاؤل هو ان عملية التمييز على اساس الدين وفرض هوية دينية ولغوية معينة يجرى نقاش جاد حولها بدأ فى مجال المناهج فى حديث صريح لمدير المناهج الجديد حول احترام حقوق غير المسلمين عير انتاج مناهج علمية لا تفرض مسار دينى محدد لعملية التعليم. رغم ان مسائل اللغة لازالت تحتاج الى إعادة نظر ولكن هذه لبنات جيدة فر طريق تعديل المسار للمناهج ابتى ظلت تصنع الحواجز وتميز ضد مجموعات سودانية كبيرة.
ان فتح النقاش حول تلك القضايا وغيرها وتبنى خطاب المواجهة بدلا من الهروب داخل دوائر النخب المهيمنة تاريخيا هو عملية هامة فى الطريق نحو بناء الكتلة التاريخية التى تصنع التحولات الجذرية من تاريخ التمييز والاقصاء الى بناء دولة المواطنة. بالتأكيد هناك تحديات جمة تواجه هذا الخطاب نفسه، ولكن صعوده رغم هذه التحديات هو ما يبعث على التفاؤل. حيث ان عملية المصالحة التاريخية بين مكونات السودان المختلفة لن تتم سوى عبر منهج الاعتراف والمواجهة والشجاعه فى الطرح. ومن المهم ان يدرك جميع أصحاب المصلحة ان هناك حلفاء فى الطرف الآخر يمكن بناء الجذور معهم وعبر مساحة الحوار التى وفرتها الثورة ومساحة حرية التعبير فإن كثير من حواجز الخوف تكسرت. والان السودان أمام فرصة تاريخية وفرها الشباب الراكب راس الذى واجه الموت بصدور عارية، والان حان وقت مواجهة ازماتنا التاريخية بذات الشجاعة للخروج من النفق، ويبدو ان ان شجاعة هذا الشباب استنفرت شجاعة الكثيرين للتغيير الحقيقي الذى يبدأ الان.